شرح مبسط لموضوع القرض التجسيري-هشام كاهن

Quote: نموذج الدولة الدعمجية الحبرتجية.... من المؤسف ان نجد من يوصف بأنه "خبير اقتصادي" يسخر من سداد السودان لقرض البنك الدولي عبر القرض التجسيري الامريكي في عملية خلصت السودان من ١.١٥ مليار دولار كما تم منح السودان ٢ مليار دولار للتنمية و ٢٠٠ مليون دولار لدعم الموازنة العامة...يسخر بالقول "هل البنزين اتوفر وهل الخبز اتوفر وهل الدولار انخفض وهل تحسنت الاسعار وهل حصل العاطلين على عمل؟!" في محاكاة لمنطق البسطاء الذين يفترض به توعيتهم بأن طريق الاصلاح طويل ولن يتأتى في شهور او سنة أو سنتين ولا نتوقع الحصول على منحة او قرض اليوم فتخرج الى الشارع غدا لتجد الأرض قد انبتت قمحا ووعدا و تمني!!...و اي خبير و ان اختلفت رؤيته لطريق الاصلاح فإن اي طريق يختاره لدولة فقيرة ومتهالكة سيتطلب توفير التمويل والمنح والذي يستوجب تسوية متاخراتنا ذلك انه ليس لديك كحكومة داخليا المال الكافي لاستحثاث مواردك الطبيعية فالطبيعة لا تولد المال من نفسها بل باستثمارك فيها سواء في شكل توفير بنيات للقطاع الخاص لينمو ويسدد لك عبر الضرائب او حتى استخدام الاموال لتمويل قطاع عام منتج يسدد من دخله كبديل....ولكن تغلب الايديولوجيا على المهنية لدى الكثيرين....والا فإن أي نظرة موضوعية لن تؤدي لهذه الأسئلة في التعليق على منح وقروض تنموية فالفرق بين الصرف التنموي والصرف الاستهلاكي معلوم بالضرورة...ولمن لا يعلم فمبدئيا الحاجتين ديل في موازنة الحكومة هما بندان منفصلان تماما حيث أن الدعم السلعي يقع تحت بند المصروفات الجارية (current expense) في حين أن مصروفات التنمية هي اصول رأسمالية (fixed assets) تقع تحت فصل التنمية و الذي يعتبر المحدد الرئيسي لسرعة نهوضنا فكلما قل حجم اموال بنود فصل الصرف الجاري وزاد فصل التنمية يعني ذلك أننا نستثمر في النمو و نبني مقومات النهضة...ثانيا ان الصرف على شراء السلع ودعمها صرف غير منتج لا يوجد له مصدر سداد اساسا لذلك لم و لن تجد مؤسسة دولية تموله فإن أردت توفرها حقا فلتنادي برفع الدعم عنها....في حين أن الصرف التنموي المدروس هو صرف منتج يسدد نفسه عبر عائداته و يسهم في توظيف الناس وزيادة انتاجهم وتحسين مستوى معيشتهم عبر كسب قوتهم والمساهمة في اقتصاد بلدهم ولذلك ستجد له التمويل حال اصلاح علاقتك مع المانحين ومؤسسات التمويل..فلو صرفت هذه ال ٢ مليار على الوقود والقمح ستعود للشحدة قريبا اما اذا صرفتها في أصول منتجة فستوفر لبعض المواطنين مصدر دخل ثابت وخدمات لسنوات قادمة.. ان ما يروج له هؤلاء "الخبراء" من قصص الدول الغارقة في الديون بسبب مؤسسات التمويل تغفل حقيقة رئيسية وهي السؤال فيما أنفقت تلك الديون التي اغرقت هذه الدول؟ ولماذا تركت الديون لتتضخم بفعل الفوائد بدلا عن السداد في المواعيد؟ وفي الغالب ستجد انها أنفقت على نفس المصروفات الفارغة التي تزيف الواقع و يدعو اليها هؤلاء من دعم للسلع ودعم لقيمة العملة المنهارة أو في افضل الفروض مشاريع خاطئة لا تحقق اي عائد..إن لوم الدائنين على غرق المقترضين يشبه لومك احد البنوك التجارية على وجود المتعثرين في السجون!..حيث أن فيه تنصل عن مسؤولية هذه الدول في ما تم تبديده من اموال...ويتم الحديث عن مؤامرة عالمية وكأن الممولين يهوون ضياع اموالهم ويسعدون بذلك مقابل رؤيتك تعاني..ببساطة حاول أن تجيب على هذا السؤال...ماذا يضير العالم أن انهار هذا السودان تماما؟ بل أليس الاسهل على "الامبريالية" تركك تنهار ان ارادت السيطرة على سيادتك او مواردك بثمن بخس؟! يتحدث هؤلاء الخبراء وكأننا نمضي بنجاح ويريد العالم تدميرنا حقدا على هذا النجاح الباهر..والحقيقة إن أراد العالم فعلا تدميرنا ما عليه سوى تركنا نستمر في نفس الطريق الذي كنا عليه دون مد العون لا استشاريا ولا ماليا..وسننهار لا محالة دون أن يصرفو ثمن تذكرة طائرة ليصلونا.. في عالم اليوم ملايين الاعمال تقترض يوميا ومئات الدول التي تحصل على القروض وجميعهم ماضون في طريق النجاح بالتوظيف الصحيح للتمويل..كما أن هنالك الآلاف من رجال الاعمال في السجون وعشرات الدول المتعثرة بتوظيفها الخاطئ للأموال ثم تركها الديون معلقة دون سداد او الوصول لتسويات لتتراكم الفوائد...ومن قوة عين هؤلاء الخبراء أن تكون الدولة مليانة ديون لحدي اذنيها ثم يدعونها بكل بساطة لعدم السداد او التسوية او الالتفات للامبريالية على شاكلة "الصندوق تحت مركوبي ده" في نموذج للدولة الحبرتجية التي لا تفي بالتزاماتها التعاقدية ولا تعترف بديونها..السؤال هنا ان كان الخبير يضع الانتاج والتصدير ضمن استراتيجيتهم لمن ستصدر اذا قطع الدائنون علاقتهم بك و فرضوا عليك العقوبات؟! اما الأكثر غرابة وتناقضا في رؤية الخبير هو قوله بأنه لم تنهض أي دولة عبر الديون (وهي جملة كاذبة اساسا ولصدقناه لو قال أن بعض الدول لم تستدين ونهضت والراجح أن كل الدول تستدين وتنشئ المشاريع وتسدد ما عليها لنهوض اسهل و اسرع واقرب مثال سد النهضة في اثيوبيا جنوبا)....اما التناقض فهو دعوة الخبير للاعتماد على انفسنا لتمويل نهضتنا..ثم في نفس الوقت يدعو الخبير للاستمرار في هذا الصرف البذخي الاستهلاكي على الدعومات و يدعو لمجانية الصحة والتعليم والمواصلات وغيرها من الخدمات أسوة بدول السمبك التي يصل متوسط ضريبة الفرد فيها ٤٠% من دخله...ولكن في نفس الوقت يعارض الضرائب على الواردات وتحريك الدولار الجمركي و أي تدابير تخصم من المواطنين (سوى الضرائب التصاعدية التي لا مجال لتطبيقها فورا).....وكأن التنمية تتم بالدعاء والتضرع والاستمرار في هذا التبديد ..وليس بالتقشف والاجتهاد والعمل..ان نهضتنا ذاتيا ليست مستحيلة ولكن يجب أن نعلم ان تكاليف وعناء نهضتنا ذاتيا تفوق تكاليف نهضتنا بالقروض أضعافا مضاعفة..فدعوة اصحاب الايديولجيا "الشعبوية" للاعتماد على الذات هي محض اشعار وبروبغاندا لحصد اللايكات، حال بدء الحكومة تطبيقها فعلا سيطلقون صرخاتهم المصطنعة من العواصم الاوروبية بالدعوة للتخفيف على المواطنين للكسب السياسي الرخيص! #الخلاصة: عزيزي الخبير يمكنك أن تختلف في توظيف المال ولكن لا يمكنك إنكار حوجتنا اليه..كما لا يمكنك الدعوة للاعتماد على الذات و إلى تبديد الاموال في الدعومات معا في نفس الوقت..ولا يمكنك الدعوة لعلاقة مع العالم والتصدير له ودعوته للإستثمار وانت تدعو لأكل قروشه وتكبيرها منه..قليل من الاتساق لا يضير! #لا_لدعم_أي_حاجة #تحديات_الفترة_الانتقالية