اغمضت عينيّ وفتحتهما مرّات ومرّات؛ لعلّني اتذكّر تفاصيل بهاء، كنت أبحث عن مواقف صارخة جمعتنا فلم أجد سوى النقاء، بحثت عن عناد طفولي، أو مزحات ساذجة، أو شجار سخيف، فلم أجد سوى ينابيع من عذوبة الأيام تفجّرت في جداول الذاكرة. ُتُرى متى آخر مرة التقينا يا بهاء؟ لا أذكر، كل ما أذكره هو هدوءك الجميل وارخبيل طيبتك التي احاطت بشوارع الكلاكلة وامتدت إلى جزيرة صاي. كيف لقلب بهذا الاتساع يموت بهذه الوحشية؟ كيف لنفس بتلك الطيبة تتلتقّى هذا الحد من العذاب؟ كيف صبر؟ كيف قاوم؟ كيف غاب البهاء؟. هذه قوانين الحياة يا بهاء، لا يجتمع ضدان في مكان واحد، الضوء يُزيح جدار العتمة، والصباح يطوي عباءة الليل، والشمس تأتي وتشرق مثلك في بهاء السطوع. لا تجزع يا رفيق، فالحق يصارع الباطل ولا ينهزم حتى بالموت، كثرتهم لم تغلب شجاعتك، وسلاحهم لم يهزم جيوش طباعك، لكنها أقدار الحياة وقوانينها، الم أقل لك أنّ الاضداد لا يجتمعون؛ فالموتى تحت التعذيب لا ينهزمون حتى في الجولة الأخيرة من معارك الحق، حين تصعد أرواحهم تُلوّح لنا بعلامة النصر، تُحلّق طويلًا وتودّع عالمًا مليئًا بالوحوش.
✍️ المعز عبد المتعال سر الختم 23 ديسمبر 2020 نيو بريتن، كونيتيكت الولايات المُتّحدة الأمريكية.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة