الموت في سبيل الوطن حماقة

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-17-2024, 04:51 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2020-2023م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
10-07-2020, 05:55 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الموت في سبيل الوطن حماقة

    05:55 PM October, 07 2020

    سودانيز اون لاين
    عبد الحميد البرنس-
    مكتبتى
    رابط مختصر



    طوال تلك الطريق المغطاة بالجليد والوحل والصقيع إلى شقة جمال جعفر المشتركة مع المدعو الصيني، قبل صعودي إلى متن الباص وحتى بعد ترجلي عنه، ظلّ يشغلني أمر التفكير في مغزى تلك العبارة، "نُهدي هذا الفيلم إلى الذين خرجوا من ويلات الحرب العالمية الثانية أحياء"، أنا كائن العبارات عاشقها القديم المتيم. أسكن في العبارة داراً رحبة، أو تسكنني هي لبعض الوقت، ثم لا أغادرها إلا وقد صارت في الأخير جزءا عضوياً لا يتجزأ من نسيج تكويني النفسي، أو الروحي.

    "ما بكِ، يا أماندا"؟

    لم تجب على سؤالي. قلت في نفسي لعلها يا حامد الرواسب التي خلفتها زيارة شقيقتها سمانتا ماران بون لنا قبل أيام قليلة. إلا أنها طلبتْ أن أملأ لها كأس الويسكي إلى الحافة. تجرعتْها دفعة واحدة. أخلدتْ تالياً إلى صمت أعقبه انتقال هاديء إلى نومٍ أخذت تتفتق خلاله داخلي تلك الجراحات. أمواج حزن أماندا ماران بون المباغتة، أبداً، لا تتوقف، في الآونة الأخيرة. من النقيض إلى النقيض. أتذكر لحظة أن نامت ملقية برأسها على كتفي بينما بدا أمامي هناك على المنضدة الزجاجية ألبوم صورها العائلية مغلقاً على أشجانه. لا كشيء نابض بالحياة. بل كأثر باق من حياة. حتى الذكريات عرضة لخطر النسيان أو الموت والعدم. "هل الذكريات من المفقودات أم من الموجودات"؟ كذلك كنت أتساءل، حين استيقظتْ أماندا ماران بون أخيراً، واعتدلتْ في جلستها على الكنبة وتمطت، ثم بمثل تلك العفويّة الآسرة، سألتني، قائلة:

    "لماذا يحزن البشر حين يطالعون صورهم القديمة"؟

    قلت:

    "لماذا".

    كما لو أنني الصدى أو الصورة في المرآة!

    ...

    ما إن توغلتْ أماندا ماران بون داخل نومها، وساد الهدوء كل شيء، وبدا عقلي خاوياً من عبارة كازنتزاكي ومتاعب التفكير ولذائذه الأخرى؛ حتى عنّ لي أن أرفع صوت التلفاز المضاء في صمتِ مشاهده المتبدلة قليلا. كنت أحاول جاهداً وبلا جدوى تقريباً تبديد غيوم الذكريات وسحب الحنين المتكاثفة على سماء روحي. كانت القناة قد بدأت تعرض للتو فيلماً تاريخياً تجري أحداثه على شواطيء النورمندي في جنوب فرنسا عن مجريات الحرب العالمية الثانية. قد لا أتذكر الآن اسم الفيلم. قد لا أتذكر حتى تفاصيل أحداثه. ولما تمضي على مشاهدتي له سوى ساعات لا تشكل يوماً بعد. ما أتذكر بجلاء أني بدأت أنتبه للطاقة الهائلة المنطوية عليها تلك العبارة التي ذيَّلت خاتمة الفيلم. عبارة جاءت في أعقاب أحداث الفيلم ومشاهده المصورة. بل أعقبت حتى تلك القائمة من أسماء الممثلين والأفراد والمؤسسات الذين شاركوا في صناعة الفيلم. بدت لي للوهلة الأولى مجرد عبارة هامشية. لا أهمية لها. "نُهدي هذا الفيلم إلى الذين خرجوا من ويلات الحرب العالمية الثانية أحياء". عندما فرغت من تأمّلها أول مرة، أطلقت أماندا في أثناء نومها ذاك ضرطة مكتومة طويلة أشبه بأنين منسي من تاريخ الألم، بينما أخذت معالم الأشياء تتضح في الخارج هناك وراء نافذتي غرفة النوم.

    كان التعب بلغ بي تلك اللحظة منتهاه. "الشهداء وقود الحياة المترفة للسادة الأماجد"، يقول إذن مسكوت تلك العبارة. إذا فرض الأمر علينا يوماً ما في صورة حرب فلا بد أن نخرج في الأخير من أسر مختلف ويلاته (أحياء). هي حياة واحدة. يبدو لي الآن أن مفردات غامضة، متسمة بالإغراء غالباً، مثل "التضحية" أو"الفداء" أو"الشهادة" أو"الموت في سبيل الوطن"، ليست في نهاية المطاف سوى حزمة أخرى من أكاذيب بغيضة اخترعها أولئك "السادة الأماجد الأشاوس الأحاسن".

    ربما لهذا شغفت لسنوات عديدة بعبارة أخي ألبير كامي التي مثَّلت عصارة بحثه في أسطورة سيزيف "إن الإنسان وُلِدَ ليحيا، ولم يُولد ليموت، ولذلك فان أجمل ما في الحياة هي الحياة". أدرك الآن، عبر حدس ما، أن الكثيرين من الساهرين من أمثالي، ممن شاهدوا أحداث الفيلم المصوَّرة، قد أغفلوا ملاحظة تلك العبارة ذات المضمون الانقلابي الخطير. ربما لا لعجلة، بل لأنها جاءت تحديداً في أعقاب المشاهد الرئيسية المصوَّرة. المفارقة، كما يوحي سياق العبارة هذا، أن جوهر الحياة "الصاعد"، لبنة المعنى "المفتقدة"، أو وجه الواقع "البديل"، يُوجد غالب الأحيان داخل تلك الأماكن اللامرئية. ما يبدو، للوهلة الأولى، هامشياً متباعداً، بل لا قيمة له، ما هو أحياناً كثيرة سوى ذلك الجزء الضائع من هيكل سعادتنا، الذي للأسف نظل نبحث عنه غالباً في غير موضعه. وقد أعمانا وهج المركز وبريقه الأخَّاذ الذي لا يُقاوم.

    في القاهرة، أخبرني لورد الله الفقير مرة أنّه لحظة أن يعبر ميدان التحرير، ويرى حسناء تتهادى على طريقة "واثق الخطوة يمشي ملكا"، يصرف بصره عنها، ويبدأ يبحث حالاً هنا وهناك، "لا لمانع عندي أو لعزوف ذاتي يا حامد"، بل لكي يرى تلك الحسناء من زاوية ما ظلّ يسميه "فتنة الهامش"، من خلال عين أحد أولئك الجنود المعدمين الفقراء، الذين يحرسون مداخل تلك البنايات التجارية والحكومية الضخمة ليل نهار، ربما بدا في انسحاق نظراتهم الحسيرة تلك جمال أنبل وأبقى في الزمن من جمال تلك الفتاة الساحق. قال "لحظة أن أفعل ذلك، كنت أحسّ في قرارة نفسي، كأن اللحظة سمفونية بالغة الاتقان، من وضع فنان قدير في مثل قامة بتهوفن، لا شيء زائد فيها، لا نشاز هنا أو هناك، لكل نغمة معنى، لكل إنسان قيمة، هدف، وجود، وخيال يحقق جاهداً ما حالت دونه الأيام". منذ أن أخبرني لورد الله الفقير بذلك، بدأت أعي ثراء الهامش، غنى المُهمل، ذلك الحيِّز المستتر غالباً خلف رتابة العادة، المحتجب وراء سلطة المركز وبريقه.

    ثمة أفلام عديدة أخرى، مثل أفلام الأمريكي ستيفن سبيلبيرج، عالجت موضوعة الحرب أو الموت الجماعي بمهارة وحرفية عاليتين، لكن جوهر هذا الفيلم وجماله يقعان في احتفائهما المدهش ذاك بثقافة الحياة "خارج" سياق الفيلم نفسه لا "داخله"، هناك، عند تخوم تلك العبارة الهامشية "نُهدي هذا الفيلم إلى الذين خرجوا من ويلات الحرب العالمية الثانية أحياء". كنت أشعر، وأنا أطرق باب شقة جمال جعفر وهذا المدعو الصيني، محاطا هكذا تماماً بملابس الشتاء ولوازم مكافحته الأخرى الثقيلة، كأن ذلك الفيلم برمته لم يكن في نهاية المطاف، سوى مقدمة لا غنى عنها قطُّ لقول تلك العبارة.






                  

العنوان الكاتب Date
الموت في سبيل الوطن حماقة عبد الحميد البرنس10-07-20, 05:55 PM
  Re: الموت في سبيل الوطن حماقة ابو جهينة10-08-20, 04:21 PM
    Re: الموت في سبيل الوطن حماقة عبد الحميد البرنس10-08-20, 08:02 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de