♧ شُعَراءُ الفُصْحى بِأَدَواتِ زَمانِ الحَداثَةِ £

《وشوشني العوير.. و انتشيت》
《 و كلما عبيت به الريح مال و اضطرب》
《 النُّسَمات و الخصل في عناقٍ و في غزل》
《سال من شعرها الدهب و تدلى و ما انسكب》

▪علي حامد علي إيلا آدم، هو الاسم الحقيقي
للشاعر الراحل المغفور له بإذن الله أبو آمنة حامد
المولود في هيا 1941 وكان الابن الوحيد لوالديه.
لكنه لم يكن طفلاً عادياً بل تميز بصفات منذ صغره تؤكد
أنه سيكون صاحب شأن عال.. عندما كان يرعى الغنم مع
أنداده في سهول هيا كان كثير التأمل في الأشياء التي من
حوله وكان يرى الأشياء بعين تختلف عن بقية أنداده .هكذا
حدثني هو قال لي: "كنت أتأمل في ناموس الكون الفسيح
خصرته و غنمي التي أرعاها".. ولذلك ظل في كلحواراته
يقول"أنا هدندوي راعي غنم سرقت العاصمة إمكاناته".
▪عندما التحق بمدرسة هيا الأولية.. قال مدير المدرسة
لوالده إن ابنك قدراته أكبر من هذه المدرسة فهو ذكي جداً
و نافذ البصيرة لذلك حاول أن تجد له مدرسة خارج هيا!!
▪ولأن أبو آمنة حامد يعتبر من أسرة ذات انتماءات نادرة إذ
يعتبر البيت الوحيد في شرق السودان الذي ينحاز أهله لطائفة
الأنصار حيث إن الشرق معروف بولائه لطائفة الختمية. كان جده
محمد الأمين ترك ناظر الهدندوة يعد ركنا محوريا من أركان الأنصار
في شرق السودان. قال له والد أبو آمنة يا سيادة الناظر "سوق الولد
معاك" وكان ذلك باصرار شديد فتركه جده ترك مع أحد العمد وظل
يجوب الشرق لحل قضايا الناس وتفقد أحوالهم وعندما عاد قدمت
له الدعوة للحضور إلى الخرطوم للمشاركة في مؤتمر للحزب و أخذ
معه أبو آمنة حامد للخرطوم وعندما انقضت مدة المؤتمر أراد أن يعود
به إلى هيا إلا أن أولاد وبنات سكرتير عام حزب الأمة عبد الله خليل رئيس
الوزراء آنذاك تمسكوا به وأقنعوا الناظر ترك بأن يتركه معه خاصة و أنه خلال
تلك الفترة أظهر مودة شديدة بينه وبنات عبد الله خليل وابنه أمير و كانوا
جميعهم صليةً صغاراً في السن وبعدها انهمرت دموع أبو آمنة حتى يتركه
جده الناظر ليبقى مع أولاد عبد الله خليل الذين أصبحوا بمثابة الأشقاء له
و أولاد عبد الله خليل اهتماماً خاصاً حينما شعر بأنه طفلٌ ذكيٌّ معجزةٌ لديه
مميزات خارقة في المعرفة فألحقه عبد الله خليل بالدراسة حيث تلقى بعضاً
ً من دراسته بمدرسة وادي سيدنا التي فصل منها لقيادته إضرابا لرداءة
الطعام وتم تحويله إلى مدرسة المؤتمر الثانوية.
▪ ومنها إلى كلية الشرطة برتبة ملازم كما إنه فصل من
الشرطة أيضاً بسبب قيادته لمظاهرات بالزي الرسمي بعد أن
طلبمنه قمعها فتحول إلى متظاهر.. ولكن عندما سألته قال لي:
"رفضت قمع المظاهرات و ضرب القوارير بالبمبان". ثم أضاف :
"كيف لي أن أعكر صفو تلك العيون الاي في كرفها
حوَرُ بمسيل الدموع" و ضحك ضحكته المعهودة.
▪درس أبو آمنة بكلية الإعلام بمصر وعمل مستشاراً إعلامياً
لسفارة السودان في القاهرة ثم وزارة الخارجية التي فصل منها
عندما شاهده وزير الخارجية وقتها منصور خاد الذي كان يسكن
معه في غرفة واحدة في منزل عبد الله خليل، شاهده يركب "بوكس
كاشف" ويجلس على التندة الخلفية وهو بزي الخارجية القديم وهو
يحتسي الشاي مع الناس بزيه الرسمي عقب نزوله من (البوكس).
▪ كان أبو آمنة يدين بالولاء للقائد الفذ جمال عبد الناصر بل كان
واحدا من الناصريين الذين يقبضون على جمر القضية ولشدة تعلقه
بالزعيم عبد الناصر سمى ابنه البكر عليه كاملاً (جمال عبد الناصر
حسين خليل أبو آمنة حامد) كأطول اسم في تاريخ العالم ، و
جمال الآن موجود في لندن حيث يعيش هناك بأسرته الصغيرة.
▪عرف أبو آمنة بأنه شاعر فذ، كتب أجمل الأغنيات وأشهرها
(شعرها الذهب) و(وشوشني العبير) للفنان صلاح بن البادية ثم
(رجع البلد) للفنان محمد الأمين و(جاري وأنا جاره) للفنان سيد
خليفة.. وكذلك تغنى له الفنان محمد وردي ب (بنحب من بلدنا)
وآخرون وكانت أغنياته قد أحدثت رد فعل قوي في الساحة
وما زال صداها يرن حتى الآن في أذهان الناس.
▪كان أبو آمنة ساخراً لدرجة لا توصف.. كما إنه سريع
البديهة بالرد التلقائي وله قصص وحكايات شهيرة و أذكر
حينما حدث انقلاب الإنقاذ وكان الشهيد الزبير محمد صالح
يتجول ليلاً لتفقد جنوده وجد أبو آمنة حامد في أحد شوارع
بحري غير مهتم بحظر التجول فوقف له قائلاً اركب، ولم يتعرف
أبو آمنة على الزبير الذي عرفه وأثناء الحديث قال له أنا الزبير
محمد صالح، فرد أبوآمنة سريعاً "شوف يا سعادتك أمامك ثلاثة
خيارات إما أن توصلني منزلي أو تنزلني في مكانيأو تديني طلقة
بي طبنجتك دي"، فضحك الزبير ملياً حتى بانت نواجذه.
وقال له "أوصلك بيتك" وتلك كانت بينهما صداقة شديدة ومودة.
▪كان أبو آمنة زاهداً في الحياة لم يلهث وراء ثراء أو متطلبات كان
همه إيجاد القوت اليوميما ييد الرمق لعيال و كان يقول عبارته الشهيرة
(مشاكلي بسيطة بالريدة بتحل) لذلك عندما مات لم يترك وراءه إلا اسمه
الفذ.. وذكريات عذبة تمشي بين الناس كما ترك من الأبناء جمال و ظافراً
ومصطفى الذي توفي بحادثة شهيرة وأيمن الذي كان يعمل في الشرطة
فاغتاله أحد المتفلتين ليلاً أثناء تأدية واجبه، و من البنات سحر، سارة
و نسرين و أمهم فاطمة الملقبة في بحري بـ (سال من شعرها الذهب)
وقال عنها ذات مرة مقالاته:" لو عاد بنا الزمان لكتبت فيها
"وشوشنيالعوير". و قد بعد شهرين من رحيله.
ذد▪ ألا رحم الله أبوآمنة و أسكنه فسيح
جناته محشوراً مع الشهداء والصديقين
وحسن أولئك رفيقاً.