يا جنجويد ما تحرقوا المكتبة! اقروا ..القرّ الينفخكم !!! مقال لدكتورة شيراز محمد عبدالحي

Quote: كتبت/ شيراز محمد عبد الحي ….رحلة كُتُب….رحلة حياة …. كيف يمكن للكتب ان تصبح رفيقة درب وشاهدة على عقود من حياة وممات وامتداد وتمدد الانسان ؟ ….. كيف يمكن لكتاب ان  يسمع ويرى ويضحك ويبكي معك أينما اخذتك الحياة؟ …. وان يتحوّل من جماد إلى كائن يلازمك في  احلامك ومشاويرك ورحلة نضجك وادراكك؟ …. طيب ما بالك بعشرات الألوف من الكُنب التي تلازمك منذ ان عَرِفت عيناك ضوء الشمس؟ ….. تشكّل وجودك وارتباطك بالأرض والإرث والأسرة والهوية والتراث …. تشكّل وعيك وذكرياتك وذاكرتك…..!!! إنّها ….. المكتبة ….. مكتبة محمد عبد الحي وعشة موسى السعيد …… العامل المُشترك في أفراحنا واتراحنا والخلفية الثابتة لكل الصور العائلية والجمعات والوجبات … المكتبة كانت دوماً الطمأنينة والموسيقى الهادئة التي تدور في صحونا ومنامنا….تهمس إلينا كلّما غبنا وعدنا ….. تعانقنا …. وتفيض علينا حب لا ينتهى … ولا تبدّله الأيام .. مكتبة ابوي …مكتبة امّي…مكتبتنا فيها من كل انواع المعارف …الشعر القديم والحديث والمستحدث ….الأدب السوداني القديم والحديث والمُقارن …كتب انجليزية وفرنسية ومترجمة لكُتّاب افارقة وعالميين …. تاريخ عربي وافريقي وآسيوي واوروبي وعالمي …..فلسفة …. عون الشري قاسم عبدالله الطيب عيسى الحلو…المجذوب…التيجاني يوسف بشير …محمد المكي ابراهيم…مي زيادة…درويش….الطبقات ود ضيف الله ….حكاوي…. تي إس اليوت … ديكنز ..وايتهد… سوينكا… اتشيبي…محفوظ … سنغور … سياسة … علوم …. كتب أطفال مترجمة وانجليزية وسودانية … كل الطبعات التاريخية لكل دواوين عبد الحي … تاريخ الحركة الوطنية السودانية … تاريخ الحركة النسوية عالمياً ومحلياً …. كتابات ورسايل من كتاب عالميين الى محمد عبد الحي …كتب باهداءات خاصة وأخرى بهوامش ذكية بخط ابوي…. كتب في التعليم ..الجغرافيا..الاقتصاد…كتب حمرااااا…..وأخرى خضراااء….…فنون الطبخ … كتب محمد ابراهيم نقد وعبد الخالق …كتب الصادق المهدي وتراث الختمية وتاريخ الصوفية في السودان …. في كتاب عن الطوارق … عجيب فيهو قصايد بلهجات صحراوية تحس انك عايز تقراها اكتر وتفهما وتغنيها … في كتاب كان مع ابوي في المستشفى … في نقد وتحليل البُحتُري….وفيها كل اعداد مجلة العربي ومجلة الثقافة السودانية في السبعينات وحتى نهاية الثمانينات …. المكتبة عبارة عن جسد وروح ..كائن يمشي بيننا بلا قدمين !… قبل فترة بسيطة وكأن الأرض تحس بما سيأتي من دمار وبوار …. فارت وبدأت رفوفها الرخامية العتيقة في الانهيار والتساقط الواحد تلو الآخر …… وقبل ان نفعل شيئاً بهذا الخصوص …. حدث ما حدث !!! ، استودعناها اليوم رب العباد الذي لا تضيع عنده الودائع ..حافظ العلوم والمعارف 💔… محفوظة المكتبة .. محفوظة في كل خط من خطوط وجه عشة موسى التي خرجت في عامها الخامس والثمانين من بيتها بعد ان اصبح هدف ثمين للأوباش الجهلاء حثالة الأرض !…. الخوف من الحرب … ليس بسبب الخوف من الموت أو الألم …..فقد خَبِرنا الألم وعشناه ولم يرمش لنا جفن او تنحنِ لنا قامة …… ولكن هو في الحقيقة الخوف من ان تمسح آلة صماء غبية تاريخ ينبض بالحياة …… اتحدّث عن عشرات الألوف من السبائك الذهبية المتنكرة في شكل ورق رقيق حنين ….. مليء بالمعرفة والتاريخ والحكمة والمحبة….!! يا جنجويد الغفلة …هناك كتاب عن الحركات المسلحة في غرب افريقيا وآخر عن تاريخ الصراع الاثني في السودان وتأثيراته على التركيبة الثقافية والاجتماعية …. وثالث عن الديمقراطية والسلم والحركة السياسية السودانية …. في كتب وحكاوي عن جبل مرّة … وجبال النوبة وثقافات ولغات افروعربية…. في اسطوانات موسيقية حقت ميريام ماكيبا وthe African Rolling Stones ….في اسطوانات لباخ وبيت هوفن .. في ذكريات معلقة على جدران القلوب المتروكة داخل هذا البيت …. في لوحات نادرة لتشكيليين سودانيين …. في اصوات ونسة سمحة وضحكات أطفال …في صلوات وأوراد وذكر …. في كتب قرآن طبعات عتيقة وحديثة… بخطوط عربية جميلة …. في اناجيل وتاريخ الاديان …..😢….. يا جنجويد السجم والرماد ….. اقروا ما تحرقوا المكتبة😢😢😢….اقروا اقروا … اقروووووا ..القُر الينفخكم…..!!!!!