يعرف جميع السودانيين ان ثمة أموال مهولة نهبت خلال ثلاثين عاما بواسطة البشير و دوائره الشريرة من الحرامية و الفاسدين المعروفين لدي الناس باوصافهم و خلفياتهم و اماكنهم. بيد ان كثيرا من الناس يجهل او لا يكاد يبين كيف نهبت تلك الأموال المهولة و أين هي الآن. ليس هذا فقط، بل ان الأشخاص الذين أوكل إليهم الشعب مهمة استرداد تلك الأموال من المسؤولين في الحكومة الانتقالية و من يقفون خلفهم، لا يكادون يعرفون ما يكفي عن الطرق التي استخدمت لنهب أموال الشعب، و لا اسلوب اكتشاف تلك الأموال و لا نظام استردادها. ليس ذلك فقط هو المشكل؛ ثمة كارثة ستظهر عندما يظهر يوما ان الأموال المنهوبة كلها او جلها قد اختفت او ربما نهبها، مرة أخرى، نهابون جدد، او عندما نكتشف ان المجرمين تمكنوا من الفرار الي حيث لا يعرف مكانهم احد.
صحيح ان النيابة العامة هي الجهاز الحكومي الموكول اليه بالدرجة الأولى ملاحقة المجرمين و استرداد الأموال المنهوبة، لكن النيابة العامة رغم ما يبذله النائب العام من جهد مقدر، تظل قاصرة عن القيام بمهامها في ذلك الجانب على الوجه المطلوب. لقد ورث الشعب نيابة عامة ضعيفة من حيث كفادة و كفاية منسَوبيها و من اتجاه قلة مواردها المالية و اللوجستية. لن نجادل ان الفترة الأخيرة شهدت حرصا معلنا من مجلسي الوزراء و السيادة لدعم النيابة ، لكنه دعم سيبقى معلقا في الهواء الا اذا توفرت أركان اساسية، اهمها إعادة ترتيب أجهزة النيابة و هياكلها. و هذا وحده يتطلب توفير المكون المالي اللازم لغرض تعيين مزيد من وكلاء النيابه في الدرجات الرفيعه. و من تلك الاركان ، رفد جهاز النيابة بافراد منتخبين من الشرطة و المخابرات و الاستخبارات العسكرية و موظفين من ديوان المراجع العام و البنك المركزي و مكتب المسجل العام للأراضي. ثم مع كل ذلك لابد من اجراء المراجعة المطلوبة للقوانين و الإجراءات المتصلة بعمل وكلاء النيابة و ما يلزم لضبط أعمالهم و أعمال لجان التحقيق المتكاثرة دون جدوى.
تبقى هناك شكوك جدية حول مدى مقدرة (لجنة تفكيك نظام البشير) في انجاز أغراضها الأساسية. فبالرغم من تكوينها بقانون خاص، علينا ان نقر ان اللجنة قاصرة و بطيئة و غير مدركة بصورة واضحة لدورها و ما ينتظره منها الناس. ذلك ان اللجنة تعمل بلا سلطات كافية و لا منهج معروف و تفتقر حتما الي الكفادات المطلوبة لممارسة اختصاصات حقيقية َو سلطات فعالة. لابد أن يخضع تشكيل اللجنة الي مراجعات عاجلة تضمن تعديل تشكيلها الحالى و احسين قانونها حتى تتحقق لها الكفاءة و الفاعلية فلا تبدو كما هي مجرد اداة سياسية بلا أسنان. إن السبيل الأنسب لذلك ربما يمر أيضا عن طريق الحاقها على وجه من الوجوه بديوان النائب العام و اخصاعها لاشراف مباشر من رئيس مجلس الوزراء. لابد ان ندرك ان (تفكيك نظام الإنقاذ و محاربة الفساد و استرداد الأموال المنهوبة) ، ليست َمن المهام التي يمكن َوقفها على ديوان النائب العام أو على لجنة تفكيك نظام البشير. ان انجاز تلك المهام الثلاث هو التجلي الحقيقي للثورة و لشعاراتها و في إنجازها يكون الطريق لبناء الدولة المدنية الجديدة و تحقيق النهوض الاقتصادي.
و لنعلم ان التراخي في استرداد أموال الشعب و معاقبة المجرمين يمثل جريمة أخرى ترتكب في حق الشعب و ان معركة الشعب الأساسية الان ليست مع النظام القديم من حيث هو توجه ديني منحرف او نظام سياسي فاشل، لكنها َمعركة شرسة مع الفاسدين منه. و هي معركة يجب أن يتداعي لساحتها كل الشعب بمن فيه الصالحين من الذين ناصروا النظام القديم عن غفلة او َ جهل.
ستنتصر الثورة فقط عندما يرى الشعب أمواله المنهوبة تسترد و مواردة الضائعة تعود و عندما يرى رقاب المجرمين كلهم معلقة على المقاصل العادلة. هل هناك شيئ غير ذلك؟!
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
عمر جبرونا
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست