سنة ٢٠٠٢؛ كانت هناك ندوة بجامعة النيلين عن الأستاذ محمود محمد طه؛ بمناسبة الذكرى السنوية له ويفترض أن تُقام لكن السلطات آنذاك منعت قيامها لأسباب تخصها منها الخلاف الايدولوجي بين الفكرة الجمهورية وبين الإخوان المسلمين في السودان؛ وكان المتحدث الرسمي في هذه الندوة المُلغاة هو الأستاذ المرحوم / غازي سليمان؛ المحامي الشهير والذي ينتسب إلى العمراب العالياب؛ فجده الشيخ حامد ( أب عصاة سيف؛ لقب وليس اسماً ) ؛ ود عمر ود عبد العال ود عرمان ود ضوَّاب ود غانم؛ وعرمان كما هو معروف جد الجعلين بلا منازع.
لم أكن أعرف ملاقاة نسبي بنسبه إلا مؤخراً جداً؛ إذ الشيخ حامد أب عصاة سيف أخته متزوجة من الشيخ إبراهيم بن الشيخ الخوًّاض القراي العجمي التاكي وهو جدنا بلا منازع في تسلسل النسب؛ وهذه علاقتنا مع دار جعل بمديرية نهر النيل ومنطقة طيبة الخواض والمتمة وديم القراي وكبوشية بالتحديد وكل أرحام قبيلة دار جعل بشكل عام؛ إلا بعد وفاته رحمه الله رحمة واسعة. الشيخان : حامد أب عصاةً سيف؛ وإبراهيم القرَّاي الخواض العجمي التاكي؛ لهما دور لحفظ القرآن الكريم وحوليات تقام سنوياً وبالذات الشيخ حامد أب عصاة سيف بأم درمان حي الموردة؛ وتُقَّابة الشيخ إبراهيم القراي العجمي التاكي موجودة حالياً في منطقة طيبة الخواض بمديرية نهر النيل وهو ما دفع الشيخ محمد القراي العجمي التاكي حين ذهب لقضاء مناسك الحج والعمرة في خلوة له مشهورة ان يقول دون سابق إنذار : ( خلوة الشِعِيبة مورودة )؛ يعني بها حرارة او سخونة؛ وأصل كلمة مورودة من الوِرد وهو الذهاب لمشرع الماء للسقي كأنه يريد أن يقول وردها كان حاراً؛ وفي ذات الاثناء اتضح أن الخلوة شبَّ بها حريق قضت عليها؛ وجاء إلى السودان مسرعاً بتحقق رؤيته؛ والقصة معروفة؛ راجع كتابنا " طيبة الخواض وما وراءها من نبأ" وكبار الأسرة بالمنطقة لمزيد من المعلومات. اما الشيخ حامد اب عصاة سيف؛ فقد رأيت حوليته مقامة بحي الموردة في أم درمان قبل عدة سنوات وتمت دعوة آل الشيخ محمد بن القراي العجمي التاكي لها للحضور فهم أسرة واحدة بلا شك.
في تلك الفترة كان من ضمن الإهتمام الفكري أو الثقافي لشخصي الضعيف هو التعمق في الفكرة الجمهورية وزعيمها الأستاذ المهندس محمود محمد طه؛ إذ كانت الخلفية المعرفية من الحركة الإسلامية السودانية بشكل كبير لها حيز مقدر في الذاكرة ؛ وقبلهما تعددت مصادر المعرفة لعديد الأفكار التجديدية السائدة كالفكرة الماركسية وأغلب الدراسات الإنسانية العالمية بلا حصر. ذهبت إلى الجامعة في إنتظار إقامة الندوة لكني بعد لأي عرفت أنها أُلغيت وكرهت إلغاءها كراهة شديدة إذ كانت بمنزلة استراحة ذهنية ضرورية للغاية لشخصي ؛ وبالخارج وجدت أحد الزملاء القُدَامى الذي يعمل في الدائرة الأمنية والشرطية حيث لا يفترض أن يكون موجوداً لبعده تماماً عن الثقافات والندوات وما أشبه؛ فسألته عن سبب وجوده فذكر لي بالحرف الواحد : خشية أن تقام الندوة فيعقبها أعمال شغب ففهمت بقية الدرس بلا شك.
في هذه الاثناء مرَّ بجانبي الأستاذ المرحوم المحامي / غازي سليمان؛ فسلَّمت عليه وعرَّفته بنفسي وسألته عن : لماذا أَلغيت الندوة؟ فقال : أُلغيت ولم ألغها؛ ورغبت في أن أكون بمعيته والتعرف عليه أكثر خصوصاً وهو الوحيد الذي بادر بالدفاع عن الأستاذ محمود محمد طه في محكمة المهلاوي المعروفة وددت التعرف أكثر منه في هذه المرحلة المهمة بالنسبة لي أقلاها عن ما يمكن أن يكون غير مذكور للعامة لا غير.
أوقف الأستاذ غازي سليمان؛ عربة تاكسي لتوصله إلى مكتبه بشارع الجمهورية الخرطوم ونحن في حديثنا هذا؛ ووقفت العربة التاكسي وأقلته وركب معه ثلاثة أشخاص أحدهم في المقعد الأمامي مع كابينة القيادة وأنا عن يمينه وآخر عن شماله فكان وسيطاً بيني والرجل الذي لا أعرفه ولا الذي يركب في الكرسي الأمام ولا يعرفوني ؛ ربما تكون صدفة أو علاقة بينهم معاً الله أعلم لكن ما يهمني هو أن أكون بمعيته ولا يهمني من هم الذين معه أو معنا في التاكسي.
وصلنا مكتبه الأنيق الفخم وهو يعج بالأوراق المتناثرة هنا وهناك وكان الحوار مقتضباً جداً ويدور حول متى يمكن أن تقام الندوة من جديد؛ ولمَّا لم أجد نفعاً ولا إجابة ذات جدوى شعرت بالإحراج والتطفل فاستأذنت منه وانصرفت لحالي بينما ظل الرجلان معه بمكتبه. غازي سليمان؛ رجل أنيق ومحترم ومثقف وصادق في لهجته وحديثه ويجبرك على احترامه بغض النظر عن الاتفاق معه أو الإختلاف في آراءه ويكفي صدق توقعه السياسي وما حدث الآن ؛ ويلبس لبسته المعتادة من الحمَّالات المعلقة بأكناف ردائه وإزاره ويجعل القميص في حواشيه؛ وهو رجل نحيف من غير شذوذ ولا كراهة وكأنَّ يده لم تمارس مهنة غير الكتابة قط ؛ وله أسلوب يلزمك سماعه والتزامه من غير انصراف فالرجل بحق موسوعة إنسانية تستحق الإشادة والتقدير والاحترام والتوثيق . بالنسبة لصاحبي الذي يعمل في جهاز الأمن ووجدته خارج الجامعة؛ لقيتها فيما بعد عشرة سنين ٢٠١٢ فعلاقتي به انقطعت بعد التخرج في الجامعة التي جمعتنا معاً منتصف التسعينات من القرن العشرين .
الشاهد في هذه التذكرة والتي فهمتها متأخراً جداً هو شعوري وأنا أراجع تداعيات ما سبق ذكره هو شكَّه في شخصي أن أكون أحد رجالات الأمن الذين منعوا إقامة الندوة خصوصاً - والله يشهد أنا لست من رجالات الأمن ولا زبانيته لا من قريب ولا من بعيد؛ أنا طالب معرفة منتهى العمر فقط - بعد أن كان وسطنا أنا والشاب الثاني في العربة التاكسي بالمقعد الخلفي؛ لذلك لم يكن مرتاحاً ولا مطمئناً لشخوصنا من هذا الجانب؛ وبكل صدق الرجل له الحق في التشكيك والاختصار للحوار وكأنَّه ينتظر منا قيادته للاعتقال أغلب الظن وهذا ما لم يحدث حتى خروجي من مكتبه ؛ ولا أدري ما حدث بعد ذلك ولم أزره حتى توفي في ٢٠١٤ ؛ رحمه الله رحمة واسعة؛ آميين . ذكرت هذه الكلمة لأوثق للأستاذ غازي سليمان؛ ما يمكن أن يستفيد منه غيري؛ قال المتنبي :
بيننا لو رعيتم ذاك معرفة * فإن المعارف لأهل النهى ذمم
03-17-2023, 03:52 AM
osama elkhawad
osama elkhawad
تاريخ التسجيل: 12-31-2002
مجموع المشاركات: 20754
Quote: أوقف الأستاذ غازي سليمان؛ عربة تاكسي لتوصله إلى مكتبه بشارع الجمهورية الخرطوم ونحن في حديثنا هذا؛ ووقفت العربة التاكسي وأقلته وركب معه ثلاثة أشخاص أحدهم في المقعد الأمامي مع كابينة القيادة وأنا عن يمينه وآخر عن شماله فكان وسيطاً بيني والرجل الذي لا أعرفه ولا الذي يركب في الكرسي الأمام ولا يعرفوني ؛ ربما تكون صدفة أو علاقة بينهم معاً الله أعلم لكن ما يهمني هو أن أكون بمعيته ولا يهمني من هم الذين معه أو معنا في التاكسي.
اهلا بدر هل كان التاكسي طلب؟ أو طرحة؟ وماذا قال لكم السائق؟
الموقف غير مفهوم.
وهل قلت لغازي انك ستذهب معه الى مكتبه؟
03-19-2023, 02:36 AM
بدر الدين العتاق
بدر الدين العتاق
تاريخ التسجيل: 03-04-2018
مجموع المشاركات: 682
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة