نساء كهربائيات

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-24-2024, 11:53 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2020-2023م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-19-2023, 03:22 PM

Osama Fadl
<aOsama Fadl
تاريخ التسجيل: 02-08-2018
مجموع المشاركات: 5

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
نساء كهربائيات

    02:22 PM January, 19 2023

    سودانيز اون لاين
    Osama Fadl-Canada
    مكتبتى
    رابط مختصر



    أحبتي وأصدقائي
    في هذه الأوقات والوطن يمر بأحلك الظروف بسبب تعنت وغباء الكاكي. وتمر علىنا ذكرى ليس محزنة ولا مؤلمة فقط بفقد عزيز غالي لكنها للتذكير بأن نيل المطالب ليس بالتمني وها هو الشعب يقدم الغالي والنفيس والروح الطاهرة تلو الروح وتضحيات جسام من شعب عظيم. بعيدا عن هذا النكد العسكري الغمئ وعن الأحزان كتبت هذا المقال من باب المزاح والترويح فقط رغم أنه يصادف كتابته يوم كان على الأسرة كالحنظل وعلى الأصدقاء وكل الشرفاء من الشعب. أرجو قراءته بهذا الإعتبار ليس إلا.
    لم تكن معرفتي بالسيارات واسعة ولم أكن يوماً مهووساً أو مولعاً بمعرفة أنواعها وأشكالها ومعرفة الدول المصنعة لها. لكن بحكم عمل والدي في أكبر مشروع زراعي مروي بالري الطبيعي الإنسيابي كنت أعرف الكثير عن بعض تلك السيارات التي يستوردها المشروع لكبار الموظفين. وكانت لكل شريحة من الموظفين نوعية خاصة بهم حسب الوظيفة والمهام, فمثلاً كان المفتشون يقودون سيارات كبيرة تمكنهم من التنقل بين حقول القطن وفي طرق وحلة وأحياناً وعرة. كانت سيارة اللاندروفر هي المفضلة عند المفتشين لصلابة هيكلها وقوة محركها والتي كان المشروع يستوردها من المستعمر الذي أسس ذلك المشروع الزراعي ليرفد مصانعه للنسيج والغزل بالقطن كما فعل في مستعمرات أخرى مثل الهند. ثم أستبدل اللاندروفر بسيارات تايوتا لاندكروزر, وكان لأبي نصيب في واحدة من تلك السيارات فتعلمت قيادتها سراً كما كنت أساعد والدي في تبديل الإطارات وتغيير شمعات الإحتراق. عدا هاذين النوعين من السيارات كانت المارسيديس لكبار الموظفين كمحافظ المشروع ومدراء الأقسام, كذلك كانت سيارات الموريس أكسفورد ذات الأربعة أبواب والموريس ماينار ذات البابين نصيب كثير من الموظفين.
    عاش سكان المشروع رفاهية لم يشهد قبلها ولا بعدها السودان رفاهية مثلها. فقد كان مسموحاً للموظفين استعمال تلك السيارات لقضاء حاجات أسرهم بعد ساعات عملهم الرسمية. كنت أسمع من والدي أن الموريس أربعة بستم. لم أكن أعرف بالظبط ماذا تعني الكلمة لكن فهمت أن عدد البساتم يدل على حجم المحرك. ثم عرفت فيما بعد أن المقصود بالبستم هو الأسطوانة. وسعة المحرك تقاس بعدد الأسطوانات. كما تعرفت على بعض المميزات لكل سيارة والفروق بين السيارات.
    عندما أكملت المرحلة الثانوية العليا وانا في انتظار القبول لجامعة خارج الوطن أنعم الله علي بوظيفة مترجم في منظمة أجنبية تعمل في مجال الإغاثة في شرق النيل. كان بقسم الترجمة سبعة من الجنس اللطيف, أما من الجنس الخشن أو الغير لطيف فقد كان شخصي واربعة أخرون.
    نشأت بيننا جميعاً علاقة ودية قوية. كانت واحدة من الأخوات متزوجة لتوها عندما استلمت الوظيفة, أما الشباب فقد كنا في مرحلة العزوبية التي لم يكن مسموحاً وقتها بالتفكير في الإرتباط. كانت المرتبات في تلك المنظمات مغرية جداً مقارنة بالوظائف الأخرى. كان مرتبي عند استلامي الوظيفة يفوق مرتب الطبيب المبتدئ بكثير ثم تضاعف بعد أن أكملت ثلاثة أشهر. ورغم ذلك لم يكن الزواج والإرتباط هدفي وقتها. كنت أطمع في السفر لدولة أوروبية للدراسة.
    في يوم من الأيام وبينما موظفو المنظمة في ساعة الإفطار وشرب الشاي أطلت زميلة من قسم الكتبة لتدعو الجميع لحضور حفل زفاف قريبة لها. كانت الدعوة عادية لم تقابل باهتمام كثير وما أن ذكرت أن الحفلة ستكون في نادي فاخر لأن العريس ثري وقد دفع مهراً قدره خمسة وعشرون ألف جنيه حتى صرخ صاحبنا محمد أحمد نورالدين " يعني العروس هايلوكس" خمسة وعشرون ألف جنيه كان هو ثمن سيارة الهايلوكس وقد كان حينها إمتلاك الهايلوكس غاية كل تاجر وذلك لجودة نوعيتها واعتماد التجار عليها في نقل البضائع من المستودعات إلى محلات المبيع. ثم استطرد محمد قائلاً " أقصد بدل أن يركب العريس هايلوكس قرر الزواج بهايلوكس أخرى " كانت جملته محرجة لزميلتنا التي تظاهرت بأنها لم تفهم المغزى وكررت الدعوة من أجل أن نستمتع معهم وتكون الجمعة للترفيه والترويح من تعب العمل لشهور عديدة مرت دون مناسبة مفرحة.
    الآن وبعد مضي أكثر من ثلاثة عقود ونصف جالت في خاطري كلمات صديقي محمد أحمد نورالدين وقررت أن أجري مقارنة بين الهايلوكس والعروس. أقصد بين السيارات والسيدات. في تلك العقود الثلاثة زرت مدناً كثيرة وخرجت من مجتمعي الضيق الذي لم أكن أعرف فيه سوى خمسة أو ستة أنواع من السيارات أقصد السيدات. فقد كانت المرأة أمي واختي والقريبات وزميلات العمل ورفيقات اتحاد الشباب. سافرت إلى أكرانيا وفي "كييف" حيث رحى الحرب تحصد الأرواح الآن,عشت ست سنوات بين أجمل سيارات العالم.. عفواً أجمل نساء العالم..تعرفت على الموسكوفيتش والفولجا واللادا من الحسناوات...كانت الموسكوفيتش أوسعهن إنتشاراً.. تمتاز بمقدمة ذات هيبة كأنها حمامة من الحمام الزاجل أو قل بطة كاملة الدسم... أما مؤخرتها أقصد صندوق الحقائب والأمتعة فهو واسع وتستطيع أن تنام عليه في كل هدوء وراحة نفسية.. الفولجا والتي سميت على نهر الفولجا, ربما كان جريان ذلك النهر في هدوء سبب تسمية السيارة عليه. فهي هادئة لا تأبه لمعاكسة الشباب, وصاحبها يقودها بكل ثقة وتستخدم كثيراً كسيارة أجرة. في الكلية وفي سكني الطلابي كانت الكثير من تلك النوعية من الأكرانيات القادمات من الأرياف ممشوقات القوام واسعات العيون, شعرهن كالحرير إذا أسدلنه, يمشين الهوينة وإذا سألتهن عليك أن تسألهن من وراء حجاب, ففيهن وقار وحياء القرويات وبنات الضواحي. إذا وقعن في حب أحد لا يبحن بحبهن لا تصريحاً ولا تلميحاً. ففيهن نزعة عنصرية لا يخفينها. لكنهن على إستعداد للإرتباط والتفاني والإخلاص في حبهن للحبيب الغريب بشرط العيش معه خارج أكرانيا.من بين كل النساء اللاتي عرفتهن كانت سيارة الشايكا وهي سيارة فارهة تقابلها في الغرب سيارة الرولزرويز. الشايكا تصنع حسب الطلب ولا يستطيع دفع مهرها إلا الأمراء والأثرياء ويختارون مواصفاتها بعناية... وللكرملين أسطول كامل من هذه النوعية التي يتنقل بها رئيس الدولة وأعضاء مجلس السوفييت الأعلى, وهي حلم كبار رجال مخابرات الكي جي بي عند التقاعد.
    انقضت أعوام الدراسة وغادرت الإتحاد السوفييتي وغادر الإتحاد السوفييتي النظام العالمي ذي القطبين والقوتين العظمتين وأصبحت الحرب الباردة من الماضي.
    قادتني الأقدار إلى بلاد الألمان ثم الإنجليز واستقر بي المقام لفترة في بلاد العم سام والتي لم أذق فيها الراحة... نساؤها كمدنها المزدحمة التي لا تدع لك مجالاً للتأمل والتروي والتفكير والتخطيط.. ثماني سنوات مضت كأنهن ثماني ليالي. ثم طاب لي المقام في الشمال حيث الصقيع والثلوج.. كندا كانت ملاذي الأخير. وهنا ترى كل أنواع السيارات.. السيدات.. فكندا تجمع أكبر تنوع ثقافي في مقاطعة واحدة حيث أقيم منذ أكثر من عقدين.
    عاد بي التفكير إلى سيارات المشروع وتذكرت كلام والدي وسيارة الموريس ذات الأربعة أسطوانات والمحرك متوسط الحجم واللاندروفر واللاندكروزر ذوات الست أو ثمان أسطوانات. تأملت في ثلاثة أجيال من النساء عايشتهن.
    جيل والدتي والذي أعتبره جيل الثماني أسطوانات فهن قويات متينات ثابتات. يستطيع الزوج معهن السفر في أوحل الطرق ويمكن الصعود بهن أو معهن إلى أعالي الجبال ولهن محركات ( عقول) راجحات. يتدبرن الأمور في تأن. قليلو الأعطال. ومخزونهن الإفتراضي من الحكمة والأفكار أكثر بكثير مما تظن.
    الجيل الثاني وهو جيلي انا فهن جيل الأربعة اسطوانات... متوسطات في كل شئ. رضعن من حليب الجيل السابق فشابهن أمهاتهن في كثير من الطباع.. وأضافت لهن الطفرة الصناعية جماليات وامتيازات لم تتمتع بهن أمهاتهن. فقد نال هذا الجيل نصيباً من التعليم الأكاديمي والوعي الثقافي والسياسي.
    القاسم المشترك بين الجيلين تماماً كالقاسم المشترك بين اللاندكروزر والموريس أكسفورد فصندوق ناقل الحركات فيهن واحد وهو يدوي أي يحتاج السائق لخبرة وتوازن بين تخليه عن الضغط على الديبرياش والضغط على دواسة الوقود لكي تتحرك السيارة بسلاسة وهدوء ويكرر الحركة كي ينتقل من سرعة بطيئة إلى أسرع ثم أسرع حتى يصل الى السرعة القصوى... وهكذا كانت أمهاتنا.. قليل من الكلام الطيب والمعاملة الحسنة وتخفيف في أعباء الخدمة المنزلية واليومية وزيادة في الضغط على دواسة الحماس ورفع المعنويات تؤتي أكلها وتثمر جيلاً مؤدباً متعلماً باراً بالآباء والأمهات رحيما بالصغار.
    أما جيل بناتنا أعاننا الله على فهمهن وأعانهن الله على عدم فهمهن للحياة وقيمة العلاقة الأسرية وقدسية العلاقة الزوجية.. فهن كجيل سيارات اليوم الحديثة... هيكلهن ممزوج... قليل من المعدن الصلب وكثير من البلاستيك والسيليكون... لهن محركات (عقول) من ذات الإنتقال الذاتي (أوتوماتيك) لذلك هن أكثر تعقيداً عن سابقاتهن... وعند الأعطال لا بد للميكانيكي من إستخدام جهاز كمبيوتر يفك شفرة العطل... وبعضهن غالي الثمن (المهر) كالسيارة التيسلا. لأنهن كهربائيات.. فبالرغم من الترويج لها على أنها سيارة المستقبل لأنها نظيفة وصديقة للبئة إلا أن المشكلة أنه لا توجد حتى الآن محطات شحن للبطارية إلا في أماكن محدودة والبطارية المشحونة شحنة كاملة لها مدى معين محدود يمكن الوصول له.... فلا يمكنك المغامرة والسفر في طريق المرور السريع بين الولايات والمقاطعات إلا بعد ان تدرس خارطة الرحلة جيداً وتحدد مكان محطات الشحن الكهربائي. أما إذا تعطلن فلا بد من إعادتهن للوكالة كي يتم إصلاح العطل بعكس جيل أمهاتنا وزوجاتنا فقليل من أدوية الصداع والمهدئات ومخففات الألم يؤدي الغرض.
    أترحم على جيل والدتي وأمهاتهن وأحمد الله أن نصيبي كان من جيل الأربع اسطوانات. أما الجيل الكهربائي الحالي فالمستقبل أمامه غير واضح وربما قبل أن يثبت جدارته يأتي جيل جديد, الله وحده أعلم ما هي صفاته.
    أحبتي وأصدقائي
    في هذه الأوقات والوطن يمر بأحلك الظروف بسبب تعنت وغباء الكاكي. وتمر علىنا ذكرى ليس محزنة ولا مؤلمة فقط بفقد عزيز غالي لكنها للتذكير بأن نيل المطالب ليس بالتمني وها هو الشعب يقدم الغالي والنفيس والروح الطاهرة تلو الروح وتضحيات جسام من شعب عظيم. بعيدا عن هذا النكد العسكري الغمئ وعن الأحزان كتبت هذا المقال من باب المزاح والترويح فقط رغم أنه يصادف كتابته يوم كان على الأسرة كالحنظل وعلى الأصدقاء وكل الشرفاء من الشعب. أرجو قراءته بهذا الإعتبار ليس إلا.
    لم تكن معرفتي بالسيارات واسعة ولم أكن يوماً مهووساً أو مولعاً بمعرفة أنواعها وأشكالها ومعرفة الدول المصنعة لها. لكن بحكم عمل والدي في أكبر مشروع زراعي مروي بالري الطبيعي الإنسيابي كنت أعرف الكثير عن بعض تلك السيارات التي يستوردها المشروع لكبار الموظفين. وكانت لكل شريحة من الموظفين نوعية خاصة بهم حسب الوظيفة والمهام, فمثلاً كان المفتشون يقودون سيارات كبيرة تمكنهم من التنقل بين حقول القطن وفي طرق وحلة وأحياناً وعرة. كانت سيارة اللاندروفر هي المفضلة عند المفتشين لصلابة هيكلها وقوة محركها والتي كان المشروع يستوردها من المستعمر الذي أسس ذلك المشروع الزراعي ليرفد مصانعه للنسيج والغزل بالقطن كما فعل في مستعمرات أخرى مثل الهند. ثم أستبدل اللاندروفر بسيارات تايوتا لاندكروزر, وكان لأبي نصيب في واحدة من تلك السيارات فتعلمت قيادتها سراً كما كنت أساعد والدي في تبديل الإطارات وتغيير شمعات الإحتراق. عدا هاذين النوعين من السيارات كانت المارسيديس لكبار الموظفين كمحافظ المشروع ومدراء الأقسام, كذلك كانت سيارات الموريس أكسفورد ذات الأربعة أبواب والموريس ماينار ذات البابين نصيب كثير من الموظفين.
    عاش سكان المشروع رفاهية لم يشهد قبلها ولا بعدها السودان رفاهية مثلها. فقد كان مسموحاً للموظفين استعمال تلك السيارات لقضاء حاجات أسرهم بعد ساعات عملهم الرسمية. كنت أسمع من والدي أن الموريس أربعة بستم. لم أكن أعرف بالظبط ماذا تعني الكلمة لكن فهمت أن عدد البساتم يدل على حجم المحرك. ثم عرفت فيما بعد أن المقصود بالبستم هو الأسطوانة. وسعة المحرك تقاس بعدد الأسطوانات. كما تعرفت على بعض المميزات لكل سيارة والفروق بين السيارات.
    عندما أكملت المرحلة الثانوية العليا وانا في انتظار القبول لجامعة خارج الوطن أنعم الله علي بوظيفة مترجم في منظمة أجنبية تعمل في مجال الإغاثة في شرق النيل. كان بقسم الترجمة سبعة من الجنس اللطيف, أما من الجنس الخشن أو الغير لطيف فقد كان شخصي واربعة أخرون.
    نشأت بيننا جميعاً علاقة ودية قوية. كانت واحدة من الأخوات متزوجة لتوها عندما استلمت الوظيفة, أما الشباب فقد كنا في مرحلة العزوبية التي لم يكن مسموحاً وقتها بالتفكير في الإرتباط. كانت المرتبات في تلك المنظمات مغرية جداً مقارنة بالوظائف الأخرى. كان مرتبي عند استلامي الوظيفة يفوق مرتب الطبيب المبتدئ بكثير ثم تضاعف بعد أن أكملت ثلاثة أشهر. ورغم ذلك لم يكن الزواج والإرتباط هدفي وقتها. كنت أطمع في السفر لدولة أوروبية للدراسة.
    في يوم من الأيام وبينما موظفو المنظمة في ساعة الإفطار وشرب الشاي أطلت زميلة من قسم الكتبة لتدعو الجميع لحضور حفل زفاف قريبة لها. كانت الدعوة عادية لم تقابل باهتمام كثير وما أن ذكرت أن الحفلة ستكون في نادي فاخر لأن العريس ثري وقد دفع مهراً قدره خمسة وعشرون ألف جنيه حتى صرخ صاحبنا محمد أحمد نورالدين " يعني العروس هايلوكس" خمسة وعشرون ألف جنيه كان هو ثمن سيارة الهايلوكس وقد كان حينها إمتلاك الهايلوكس غاية كل تاجر وذلك لجودة نوعيتها واعتماد التجار عليها في نقل البضائع من المستودعات إلى محلات المبيع. ثم استطرد محمد قائلاً " أقصد بدل أن يركب العريس هايلوكس قرر الزواج بهايلوكس أخرى " كانت جملته محرجة لزميلتنا التي تظاهرت بأنها لم تفهم المغزى وكررت الدعوة من أجل أن نستمتع معهم وتكون الجمعة للترفيه والترويح من تعب العمل لشهور عديدة مرت دون مناسبة مفرحة.
    الآن وبعد مضي أكثر من ثلاثة عقود ونصف جالت في خاطري كلمات صديقي محمد أحمد نورالدين وقررت أن أجري مقارنة بين الهايلوكس والعروس. أقصد بين السيارات والسيدات. في تلك العقود الثلاثة زرت مدناً كثيرة وخرجت من مجتمعي الضيق الذي لم أكن أعرف فيه سوى خمسة أو ستة أنواع من السيارات أقصد السيدات. فقد كانت المرأة أمي واختي والقريبات وزميلات العمل ورفيقات اتحاد الشباب. سافرت إلى أكرانيا وفي "كييف" حيث رحى الحرب تحصد الأرواح الآن,عشت ست سنوات بين أجمل سيارات العالم.. عفواً أجمل نساء العالم..تعرفت على الموسكوفيتش والفولجا واللادا من الحسناوات...كانت الموسكوفيتش أوسعهن إنتشاراً.. تمتاز بمقدمة ذات هيبة كأنها حمامة من الحمام الزاجل أو قل بطة كاملة الدسم... أما مؤخرتها أقصد صندوق الحقائب والأمتعة فهو واسع وتستطيع أن تنام عليه في كل هدوء وراحة نفسية.. الفولجا والتي سميت على نهر الفولجا, ربما كان جريان ذلك النهر في هدوء سبب تسمية السيارة عليه. فهي هادئة لا تأبه لمعاكسة الشباب, وصاحبها يقودها بكل ثقة وتستخدم كثيراً كسيارة أجرة. في الكلية وفي سكني الطلابي كانت الكثير من تلك النوعية من الأكرانيات القادمات من الأرياف ممشوقات القوام واسعات العيون, شعرهن كالحرير إذا أسدلنه, يمشين الهوينة وإذا سألتهن عليك أن تسألهن من وراء حجاب, ففيهن وقار وحياء القرويات وبنات الضواحي. إذا وقعن في حب أحد لا يبحن بحبهن لا تصريحاً ولا تلميحاً. ففيهن نزعة عنصرية لا يخفينها. لكنهن على إستعداد للإرتباط والتفاني والإخلاص في حبهن للحبيب الغريب بشرط العيش معه خارج أكرانيا.من بين كل النساء اللاتي عرفتهن كانت سيارة الشايكا وهي سيارة فارهة تقابلها في الغرب سيارة الرولزرويز. الشايكا تصنع حسب الطلب ولا يستطيع دفع مهرها إلا الأمراء والأثرياء ويختارون مواصفاتها بعناية... وللكرملين أسطول كامل من هذه النوعية التي يتنقل بها رئيس الدولة وأعضاء مجلس السوفييت الأعلى, وهي حلم كبار رجال مخابرات الكي جي بي عند التقاعد.
    انقضت أعوام الدراسة وغادرت الإتحاد السوفييتي وغادر الإتحاد السوفييتي النظام العالمي ذي القطبين والقوتين العظمتين وأصبحت الحرب الباردة من الماضي.
    قادتني الأقدار إلى بلاد الألمان ثم الإنجليز واستقر بي المقام لفترة في بلاد العم سام والتي لم أذق فيها الراحة... نساؤها كمدنها المزدحمة التي لا تدع لك مجالاً للتأمل والتروي والتفكير والتخطيط.. ثماني سنوات مضت كأنهن ثماني ليالي. ثم طاب لي المقام في الشمال حيث الصقيع والثلوج.. كندا كانت ملاذي الأخير. وهنا ترى كل أنواع السيارات.. السيدات.. فكندا تجمع أكبر تنوع ثقافي في مقاطعة واحدة حيث أقيم منذ أكثر من عقدين.
    عاد بي التفكير إلى سيارات المشروع وتذكرت كلام والدي وسيارة الموريس ذات الأربعة أسطوانات والمحرك متوسط الحجم واللاندروفر واللاندكروزر ذوات الست أو ثمان أسطوانات. تأملت في ثلاثة أجيال من النساء عايشتهن.
    جيل والدتي والذي أعتبره جيل الثماني أسطوانات فهن قويات متينات ثابتات. يستطيع الزوج معهن السفر في أوحل الطرق ويمكن الصعود بهن أو معهن إلى أعالي الجبال ولهن محركات ( عقول) راجحات. يتدبرن الأمور في تأن. قليلو الأعطال. ومخزونهن الإفتراضي من الحكمة والأفكار أكثر بكثير مما تظن.
    الجيل الثاني وهو جيلي انا فهن جيل الأربعة اسطوانات... متوسطات في كل شئ. رضعن من حليب الجيل السابق فشابهن أمهاتهن في كثير من الطباع.. وأضافت لهن الطفرة الصناعية جماليات وامتيازات لم تتمتع بهن أمهاتهن. فقد نال هذا الجيل نصيباً من التعليم الأكاديمي والوعي الثقافي والسياسي.
    القاسم المشترك بين الجيلين تماماً كالقاسم المشترك بين اللاندكروزر والموريس أكسفورد فصندوق ناقل الحركات فيهن واحد وهو يدوي أي يحتاج السائق لخبرة وتوازن بين تخليه عن الضغط على الديبرياش والضغط على دواسة الوقود لكي تتحرك السيارة بسلاسة وهدوء ويكرر الحركة كي ينتقل من سرعة بطيئة إلى أسرع ثم أسرع حتى يصل الى السرعة القصوى... وهكذا كانت أمهاتنا.. قليل من الكلام الطيب والمعاملة الحسنة وتخفيف في أعباء الخدمة المنزلية واليومية وزيادة في الضغط على دواسة الحماس ورفع المعنويات تؤتي أكلها وتثمر جيلاً مؤدباً متعلماً باراً بالآباء والأمهات رحيما بالصغار.
    أما جيل بناتنا أعاننا الله على فهمهن وأعانهن الله على عدم فهمهن للحياة وقيمة العلاقة الأسرية وقدسية العلاقة الزوجية.. فهن كجيل سيارات اليوم الحديثة... هيكلهن ممزوج... قليل من المعدن الصلب وكثير من البلاستيك والسيليكون... لهن محركات (عقول) من ذات الإنتقال الذاتي (أوتوماتيك) لذلك هن أكثر تعقيداً عن سابقاتهن... وعند الأعطال لا بد للميكانيكي من إستخدام جهاز كمبيوتر يفك شفرة العطل... وبعضهن غالي الثمن (المهر) كالسيارة التيسلا. لأنهن كهربائيات.. فبالرغم من الترويج لها على أنها سيارة المستقبل لأنها نظيفة وصديقة للبئة إلا أن المشكلة أنه لا توجد حتى الآن محطات شحن للبطارية إلا في أماكن محدودة والبطارية المشحونة شحنة كاملة لها مدى معين محدود يمكن الوصول له.... فلا يمكنك المغامرة والسفر في طريق المرور السريع بين الولايات والمقاطعات إلا بعد ان تدرس خارطة الرحلة جيداً وتحدد مكان محطات الشحن الكهربائي. أما إذا تعطلن فلا بد من إعادتهن للوكالة كي يتم إصلاح العطل بعكس جيل أمهاتنا وزوجاتنا فقليل من أدوية الصداع والمهدئات ومخففات الألم يؤدي الغرض.
    أترحم على جيل والدتي وأمهاتهن وأحمد الله أن نصيبي كان من جيل الأربع اسطوانات. أما الجيل الكهربائي الحالي فالمستقبل أمامه غير واضح وربما قبل أن يثبت جدارته يأتي جيل جديد, الله وحده أعلم ما هي صفاته.






                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de