المناقل وأخواتها.. نقلاً عن صحيفة الجزيرة اليوم نتوقف عن مواصلة سلسلة حكاوي الجبهجية مؤقتاً لنتحدث عن كوارث السيول والمطر في الجزيرة، رغم أنّ (الجبهجية) لم يبارحونا وهم أساس الفشل الحالي سياسياً واقتصادياً وأمنياً، بل لا زالوا بيننا في مفاصل الحكومة من أعلاها لأدناها يتسربلون السرابيل والطرابيل وهم معروفون وإن تنكروا واستبدلوا المواقف لكن ذاكرة الشارع والناس لا تنسى. لقد وجدت العديد من مناطق الجزيرة ظهرها مكشوفاً للأمطار التي هطلت بغزارة، ووجد الناس أنفسهم بين ليلة وضحاها ضحايا كارثة إنسانية لا يُستهان بها، والجزيرة بحكم تصميمها الذي أنتجته تقسيمات المشروع تاريخياً لا توجد بها مساحات مفتوحة، ولذلك تحتقن أراضيها بسرعة بالمياه دون أي منافذ للتصريف، وغالبية قرى الجزيرة إن لم تكن كلها محاطة بالجداول والحواشات والترع و(الميجرات) فهي لن تهرب من المياه إلا إلى المياه، بل بعض القرى تغرقها مياه الري والترع دون أمطار، ولذلك أقول دائماً إنّ المشروع لي كله خير ففيه من الشرور الكثير أقلها البيئة الزراعية التي لم تضع في اعتبارها أي تخطيط بعيد المدى لتصريف المياه عن هذه القرى إذا تعرضت لأي أخطار، كما لم تضع لها أي مساحات للطرق والمخارج إلا طرق ضيقة لا تصلح للسفلتة وكان المأمول من عوائد المشروع أن ترتبط كل القرى بشبكة طرق مسفلتة برئاسة المشروع وودمدني والطرق القومية ولكن شيئاً من ذلك لم يحدث حيث تفرقت عائدات المشروع من القطن وغيره أيدي سبأ وابتلعتها (كرش الفيل) واستأثرت بها الخزينة المركزية سنين طويلة، بينما مزارع المشروع ومواطن الجزيرة تصيبه الملاريا والبلهارسيا ويختنق في قرى ضيقة خلفها ترع وأمامها ترع، ولذلك لن نستغرب إن جاءتنا مثل هذا الأيام والسيول والمطر تحاصرنا من المسيد إلى ودالشافعي ثم تفعل الأفاعيل في المناقل وعبود وما جاورها.
ربما نجد بعض العذر لحكومة الولاية في أنّ السيول تفوق مقدراتها، ولكننا لن نجد لها العذر في تقصيرها عن إتخاذ بعض التدابير المبكرة وفي فترات الاستعداد لفصل الخريف بحيث كان يمكن تعلية المناطق الهشة المعروفة تاريخياً بالسيول وإغلاق مداخلها خصوصاً وأنّ الولاية ورثت أسطولا كبيراً من الآليات والمعدات، ولكن يبدو أنّ لجان طوارئ الخريف كانت تجتمع تحت هواء المكيفات الباردة ولم تكن تفكر إلا في بضع عمال يحفرون مجاري السوق الكبير، حتى وقعت الاحداث المؤسفة التي واجهها المواطنون بصدورهم العارية وبأقل الإمكانيات يدرأون خطر السيول والمياه في محاولة لتعلية التروس بالتراب عن بيوتهم وقراهم، وبعض المواطنين أستأجروا معدات (كرينات) بمبالغ تفوق المليار فأين معدات الحكومة التي كان يمكنها المساهمة في ذلك مبكراً، ثم إنّ الحكومة لن تعفيها قلة حيلتها في التبرير كعادتها من اتخاذ إجراءات لمكافحة الأضرار الصحية المتوقعة الآن وبعد إنحسار المياه فهل توجد لدينا حبوب للملاريا والدسنتاريا ومبيدات مكافحة الاطوار الناقلة للمرض البعوض والذباب وأين مخازن العلاج المجاني بالولاية؟ أم أننا لن نجد حتى برميل زيت راجع لنصبه في المياه التي ستكون بيئة خصبة للعدوى؟، وحكومة الولاية في أوقات سابقة كانت تحتفظ بمخزونات استراتيجية من الذرة والقمح والسكر وليتها فتحت مخازنها لتعطي منها هؤلاء المتضررين في القرى بدلاً عن انتظار طائرات قطر والإمارات لتنزل هنالك بعد قرابة اسبوع من الكارثة الإنسانية.. وللحديث بقية.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
محمد قسم الله محمد
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست