المكان وتعزيز الانتماء عبر الأغنية السودانية (1) محمد التجاني عمر قش نود عبر هذه السلسلة من المقالات تناول القدر الذي أسهمت به الأغنية السودانية في تعزيز الانتماء للوطن، وذلك عن طريق ذكر أماكن متفرقة من الوطن دون إحساس بالجهوية أو الانتماء الضيق للمناطق. فقد تغنى شعراؤنا ومطربونا لأماكن كثيرة حتى صرنا نراها بأسماعنا قبل أن تراها العين. ونتيجة لذلك طبعت في وجداننا صور لمناطق صارت عزيزة علينا وشكلت جزءاً من ذاكراتنا الوطنية فعشقناها وتمنينا زيارتها وهذا أمر جد مطلوب حتى تشكل الوجدان المشترك، فمن منا لا يحن إلى سواكن إذا سمع: صب دمعى وأنا قلبي ساكن حار فراقك نار يا سواكن السكونك وسط البحور يا سواكن كنت جنه ومليانة حور يا سواكن ويردد كل السودانيين مع أحمد الفرجوني أغنيته ذائعة الصيت، من كلمات عبد الله محمد زين: أنا أم درمان انا السودان أنا الدر البزين بلدى انا البرعاك سلام وأمان وأنا البفداك يا ولدى انا الولدونى بالتهليل وهلت فوقى غابة رماح طرحت هذا الموضوع على عدد من الكتاب فكان أول المستجيبين البروفسور/معتصم إبراهيم خليل مشكوراً. وسوف ننشر كل ما يأتينا من مشاركات في هذا الموضوع الوطني. لم تكن أغانينا إلا تعبيراً صادقاً لأحاسيس وصدق نفوس نقية، نبعت كلماتها من دواخل نبيلة مشبعة بالحب والوئام. ورفعت إذاعة أم درمان راية ذلك الحب والتآلف والتعارف بين أصقاع وربوع السودان عالياً، فصارت هي البوتقة التي صهرت قوميتنا وكونت بذلك هويتنا السودانية. فلم تكن أغانينا طرباً خالصاً إنما دعوة وبعثاً لروح الوطنية، فكلنا هِمنا عشقاً وحباً للوطن لما صدح الخليل بعزة في هواك نحن النيبال، وأكد نشيدنا الوطني على تلك الهوية فصارت به الركبان في كل مكان وزمان متباهية بحب السودان مرددة نحن جند الله جند الوطن. وأبدع الحردلو في وصف فسيفساء تلك الهوية بكلمات غاية في الروعة وأضفى عليها وردي بعداً أسطورياً بلحن خلد الكلمات: يا بلدي يا حبوب أبو جلابية وتوب وسروال ومركوب وإفتخرنا بسمرتنا لما تغزل الكاشف بلحن طروب في لوننا الأسمر: أسمر جميل عاجبني لونه كحل سواد الليل عيونه تعال يا أسمر... أسمر جميل وكم همنا عشقاً وأماني وسحنا بخيالنا في حدائق البان الجديد وشد لها شباب الخمسينات الرحال مبتهجين ومرددين مع عثمان الشفيع: اليوم سعيد وكأنه عيد يلا نشهد حدائق البان جديد نغني فيها ثم أسرعنا الخطى مدفوعين بشوق جارف لنمتع البصر بجمال مروي وحسنها بدعوة من الكابلي حين غنى: فيك يا مروي شفت كل جديد شفت فيك عيون لعبوا بي شديد فملأت قلبنا حباً لها إلا إننا ما إرتوينا فقد نقلنا الكابلي لشرقنا الحبيب الى كسلا بلد الإشراق وصدحنا معه من كلمات توفيق صالح جبريل: كسلا أشرقت بها شمس وجدي فهي في الحق جنه الإشراق وتركنا بلادنا ونزحنا مع التاج مكي وإسحاق الحلنقي نغني لكسلا أيضاً: حبيت عشانك كسلا وخليت دياري عشانك عشقت أرض التاكا الشاربة من ريحانك وعشقنا القاش وارتمينا في خضرة ضفافه وإرتوينا من مائه وتنسمنا نسيمه في صحبة زيدان إبراهيم حين غنى: مين علمك يا فراش تعشق عيون القاش الخضرة في الضفة وهمس النسيم الماش فصارت كسلا مقصد العرسان ومنتجع الأحباب. ولما دعانا حيدر بورتسودان لعروس البحر الأحمر ودعنا كسلا، ونحن نحملها في أعماقنا، لبينا الدعوة فقد كانت بطاقتها تقول: عروس البحر يا حورية يا بورتسودان يا حرية قلبي تائه في حبك أهدي سلامي وألف تحية يا عيون أحبابنا الحلوين يا ليالي الفرح الوردية فاحتضنتنا عروس البحر بورتسودان وسافرنا في نجوم ليلها وذبنا في روعتها. ومن جبال البحر الأحمر والتاكا نقلنا الكابلي وأبو عركي البخيت لجبل مرة في أقصى الغرب باعثيين لنا مرسال الشوق: مرسال الشوق يا الكلك زوق أغشى الحبان في كل مكان قول ليهم شفنا جبل مرة عشنا اللحظات حب ومسرة بين غيمة تغازل كل زهرة خيال رمان علي المجرى أما بلد الخيلان فقد أسلمنا حبها وعشقها لسهر الليالي فناجيناها ولمناها في حنية: جوبا مالك علي أنا جوبا شلتي نوم عيني أنا وما زالت دموعنا تنهمر لفراقها. ولقد أدت أغانينا دوراً في بلورة هويتنا، في حين عجز السياسيون عن ذلك وأكاد أجزم انفراد فننا بهذه الخصلة المبدعة دون أغاني الشعوب الأخرى. إلا إنني لا أنسى كيف حببتنا مدائح شيوخنا -البرعي وأبو كساوي في الأراضي المقدسة وعمقت إيماننا، فنتحسر كلما سبقنا فوج من الحجيج الى الأراضي الطاهرة: قالوا الحجيج قطع قاصد نور البقع قلبي زاد وجع حماني القيد منع وغرس فينا البرعي حب مصر المؤمنة بأهل الله، مثلما تغنى الكابلي بكلمات تاج السر الحسن: مصر يا أخت بلادي يا شقيقة واتسع قلبنا فظللنا نردد: من أم در يا ربوع سودانا نحيك وإنت كل أمالنا في غربك عروس الرمال وفي شرقك أية جمال في جنوبك واسع مجال يا حلاة رطبك في الشمال
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة