تأريخنا الحديث كسودانيين او بالاحرى تاريخنا كجيل هو تاريخ الازمات التموينية بالسودان نشأنا في بواكير صبانا على الجفاف و الجراد و سيول العام ١٩٨٨ ، زمن الديمقراطية الثالثة الملئ بالازماتةالممنهجة ،ازمات التموين .. وازمات اهدار الوقت الثمين باجتماعات الجمعية التاسيسية التى كانت تتقاطع مع مسلسل الساعة الثامنة مساءاً ويمتد سلطانها الى نشرة التاسعة الرئيسية والتى كانت تتدحرج فى ايام اجتماعات الجمعية التأسيسية الى مابعد الحادية عشر ليلا تضيع الساعات في الكلام والمحصلة النهائية (لا شئ) سوى (حرّم) و (على الطلاق) .. (وكان شالا كلب مابقوليه جر) ..
عشنا ازمة الدقيق آنذاك والصعوبات في الحصول على الخبز ، ولكن وجه الازمات لم يكن قمئً كما هو الان حيث ان الريف كان يعج بالحياة ولم تكن المدن لاسيما الخرطوم بكل هذا الاتساع ، كانت حدود امدرمان الجنوبية هى منطقة الشقلة الحالية وحدوها الشمالية هى الحارات الاولى بالثورة ، حدودها الغربية لم تتجاوز سوق ليبيا بعد كانت الخرطوم بحرى صغيرة لطيفة ، لاينغس متعة الحياة فيها الا رائحة روث البهائم المنبعثة من زرائب كافورى ، قبل ان تمتد بها المخططات وتتطاول بها العمارات الشاهقات شرق النيل كانت هى الجريف شرق واجزاء صغيرة من الحاج يوسف وسوبا شرق جنوبا والخرطوم لامست حواف الكلاكلات الشمالية ولكن كانت الشجرة تعتبر احدى الاحياء البعيدة جدا بالخرطوم خط ابوسعد الخرطوم مثلا لم يكن يتجاوز عدد حافلاته العشرين حافلة نعرف اسماء السواقين واحدا واحد كانت الخرطوم صغيرة و طيبة ، لذلك كانت ازمات الحياة فيها تمر كان شيئا لم يكن .. طواحين الذرة كانت بين البيوت في كل الاحياء تقريبا.. والذهاب للطاحونة كان بمثابة نزهة اسبوعية جميلة .. لذلك لم تكن هناك ازمات ينعدم القمح ولايشعر احد بذلك ، ينعدم البنزين فتجوب( كوارى الحصين) الخرطوم كلها محملة بجوالات السكر وصفائح الجبنة والزبت .. الخ .. كانت الخرطوم هادئة لكنها لم تكن مدينةً كسولة ..لذلك لم تكن تحيا حياة المأزومين عن نفسي عايشت العديد من الازمات وتلبكت اقدامى كثيرا في اوحال سنوات القحط .. اخرها عام (قحت) هذا وشاهدت بأم عينى كيف ان ردود الافعال تتباين واثر الازمة يختلف من جيل الى اخر
كان اباءنا في الثمانينيات والتسعينيات ينظرون الى الازمات على انها ابتلاءات - رغم قناعة الشباب ان وراء كل ابتلاء مسئول او وزير او رئيس بلوة- لذلك كان الشباب يهتفون في مواكبهم قبيل شهور قليلة من انقلاب الانقاذ
( بالفول بالجبنة .. الصادق ماعاجبنا) .. وغيرهم من الهتافات المحتفية بالطعام والمنددة بالصادق ورهطه
لكن بساطة اهلنا وطيبتهم الزائدة وتسليمهم بان الايام دول وان للدهر نوائب واحوال هذه الروح كانت تمكنهم من امتصاص الازمات بسهولة ، وتدفعهم الى التاقلم والتماهى بسرعة شديدة جدا مع المتغيرات .. انعدم السكر فشربنا الشاى والقهوة بالتمر وطفقنا
نتخير ايهم اطعم مع الجبنة ( القنديلا )، ( التمودا ) ، أم (الكلم ) بل ان بعضنا ظل متمسكا بعادة الازمة هذه حتى بعد انفراج الازمة فاستمرت القهوة لسنوات تُقدم في صينية مصحوبة (بسكريتين) احداهما مليئة بالسكر والثانية بالتمر ليتخير الضيف ايهما لمزاجه اطيب .
12-29-2020, 08:51 AM
ياسر السر ياسر السر
تاريخ التسجيل: 08-06-2010
مجموع المشاركات: 3204
رحم الله ذاك الزمن الجميل اخي دكتور يوسف والحمد لله اننا عشنا ذاك الزمن بكل تفاصيله الحلوة الجميلة فكنا نبدأ يومنا بنشرة 6 ونص صباحا وبعدها الساعة 7 تأتيك مفكرة اليوم ( سلمي الشيخ سلامة ونايلة ميرغني العمرابي ومحاسن سيف الدين وتماضر شيخ الدين وليلى المغربي وهيام المغربي ويجيك صوت برنامج الاسرة وبعده اغاني ونشرة الساعة 10 وبعدو يجيك ما يطلبه المستمعون وصالة العرض وكيف قيلتو أو دكان ود البصير أو حقيبة الفن اوبليلة مباشر والساعة 2 ونص يجيك برنامج عااااالم الرياضة وبعدو تجيم نشرة الساعة 3 وبعدها نطلع التمرين ونرجع المغرب للبيت وننوم بعد العشاء ونصحا بكرا على نفس المنوال . اما التلفزيون فكان علاقتنا به تبدا بعد العصر حيث يجيك مسلسل الليث الابيض وبعدو الحصص المدرسية والاستاذ عوض .... نسيت اسم والده وبعده يجيك مسلسل الساعة 8 زينب والعرش او افراح الورد وبعده يجيك برنامج الاستاذ الطيب محمد الطيب صور شعبية او برنامج محمد البصيري ربوع السودان او برنامج الكون ذلك المجهول للبروف انور محمد عثمان وتجيك السهرة من برنامج اشكال والوان أو دنيا دبنقا او مطرب وجماهير .... الخ وعزرا الذاكرة اصبحت خربة بفعل الغربة وما شابه ذلك بالله شوف كيف الحياة كانت جلوة وجميلة وجارك من حقو يكفتك لو لقاك بتلعب نصت نهار في الشارع وجارتك ممكن ترسلك مشاور عز الضهر وتمشي وتجي بدون ما ترفع عينك تعاين ليها او ترفض ليها طلب ،،، والخريف كان كل ناس الفريق او الحلة بيكون عندهم نفير في بيت فلان او علان لانو المطرة دخلت في بيتو وعايز يطلعها ويجيك صينية الفطور كسرة وملاح وقراصة بي سكر وتاكل وتمشي تتدبل في بيتكم كمان وأخوك يناديك يقول ليك تعال قالو ليك الغداء تكون ماشي ييلاقيك ابوك شايل الاكياس فيها الموز والتفاح والجوافة تشيل معاه وتصل تشيل ليك موزة تاكلا قبل كل شي وصاحبك يقول ليك تعال قيل معاي وتلعبو تحت شجرة النيم حقتهم لمن ينادوكم عشان تاكلو ،،، وبت جيرانكم تقول ليك تعال شيل معاي العيش ودي الطاحونه تشيل العيش توصلو الطاحونه وتنتظر لغاية يخلص وترجعو مع بت جيرانكم ،،،، ياخ دي حياة كانت خرافية والله العظيم ... عذرا على الاطالة لقد اهجت علينا ذكرايت واشياء لا تنسيى يا دكتور فلك شكري وامتناني بقدر ما اهجت لنا تلك الذكرىات الجميلة ...
تحياتي : ياسر العيلفون ......
12-30-2020, 10:01 AM
ياسر السر ياسر السر
تاريخ التسجيل: 08-06-2010
مجموع المشاركات: 3204
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
د.يوسف أرباب
ياسر السر
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست