المذاق الخاص للقصيدة التي كتبها محمد محي الدين، البُهار الذي ركّبه من روحه وحدها، ونثره في تلك القصيدة، لم يك يسيرا بالنسبة لي استخلاصه من المرّة الأولى، وتمييزه عن بقية العناصر الأخرى التى عمل منها مزاجه الشعري، لا أعرف كم من الوقت استغرقني الأمر، لكنه حدث يقينا إثر مكابدة أكيدة وصادقة، لا تخلو من المتعة بالطبع؛ بل قل شكّلت المتعة حافزا أساسيا لتلك الرحلة بين مطالعتي لخبر صغير نشره ملحق “الأيام الثقافي” 1985م عن صدور مجموعته الشعرية الأولى “الرحيل على صوت فاطمة” عن دار النشر جامعة الخرطوم- تلك المرة الأولى التي أقرأ فيها اسمه ولم أك قد سمعت عنه من قبل- ثم حصولي على نسختي من الكتاب، من قسم المبيعات بدار النشر الجامعية، والغموض المحكم الذي غلّف النصوص بالنسبة لي وقتها، وأنا أطالعها لأول مرّة؛ تلك الرحلة منذ حصلت على نسختي حتى كتابتي لهذه السطور. كان يلزم أن أعمل على إنضاج ذائقتي وتوسيع دوائر معارفي، كان يلزم أن أهجر قصائد الكتاب تماما، وأقرأ الكثير من الشعر وأعود لها مجددا، خصوصا الشعر الذي ينشر في الملاحق الثقافية، شعر أبناء جيله، وأن أنصت جيدا للشعر أيضا في منابره الجماهيرية- المنتديات لم تك شحيحة أبدا- ثم حدث أيضا أن بدأت التعرف على المستوى الشخصي برموز الأجيال الناشطة وقتها في الأدب بكل ضروبه، والفنون المرئية، التشكيل والمسرح… إلخ، في الأثناء سمعت عنه الكثير، وقرأت عنه الكثير، رويدا، رويدا بدأت القصائد تكشف عن مفاتنها، ليس دفعة واحدة بالطبع، لكن كان يلزم أيضا أن أسمعها تتأوّدُ منداحة عبر صوته شخصيا في أحد منابر جامعة الجزيرة، ثم تحسس الدفء الإنساني الخاص في تبادل الأنس صحبته، وهو “المُعلّم”. “المُعلِّم” محمد محي الدين، المهنة التي مارسها بحب، والتي تنفس من خلالها مشروعه الفكري والإبداعي، في المسرح والشعر وتنشئة الأجيال الجديدة بحزم منهجي لا تشوبه غلظة، أضفى عليها من المحبّة حتى فاضت وغطّت كل أنشطته بخصوبتها، خارج قاعات الدرس وأسوار المدارس، هو “المُعلّمُ” سلوكاً، في إشاراته الساخرة الناقدة، في احجامه عن ركوب “الموجة” الإعلامية، واهتبال الفُرص، إياً كانت، وتمسكه بمنصة المبدأ أولا، تلك طريقته في الحياة والإبداع كما عرفته. الكثير من الشعر والمسرح في الحياة، القليل من النصوص الشعرية والمسرحية موثقّا ومتاحا لمحبيه، لمحبي طريقته الخاصة جدا في الكتابة، لمحبي الشعر والمسرح في العالم: لا أكتب شهادتي عنك- وقتُها لم يحن بعد- إنما هي “حِيلَة” العاجز عن وجد العزاء في فقدك الجلل يا “مُعلِّم”. .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة