منذ انقلاب يونيو 1989، لم يكن السودان دولة تُدار، بل ساحة تُستنزف. تحوّل الوطن إلى مختبر لفشل متكرر ومنهجٍ مقصود، تُرفع فيه شعارات الدين بينما تُدار الدولة بعقلية السيطرة، فأنشئت المليشيات، وضُخِّمت الجيوش، وصُنِع الأعداء، فيما تُرك المواطن وحيدًا في مواجهة الفقر والبطالة وانهيار التعليم.
لم تُوجَّه موارد الدولة لبناء الإنسان، بل صُرفت على الحرب وتجهيز القوات المسلحة والمليشيات، التي استحوذت على ما يقارب 80% من الموارد. ومع هذا الإنفاق الهائل، فشلت المنظومة فشلًا ذريعًا في أداء واجبها الأساسي: حماية المواطن، وصون الأرض، وضمان الحق في الحياة الكريمة.
ثم جاء انقلاب 25 أكتوبر 2021، ليعيد إنتاج ذات النهج: تعميق الانقسام، وتغذية الصراع، وإشغال الشعب بصراعات سياسية وعسكرية، بينما يستمر نزيف الشباب، هربًا من وطنٍ سُدّت فيه سبل العيش، وغابت فيه العدالة، وانعدم فيه الأمل.
الهجرة الجماعية للشباب ليست ظاهرة عابرة، بل نتيجة مباشرة لعقود من الإفقار المتعمد، وتسييس الدين، وتغليب منطق الحرب على منطق التنمية. فالدولة التي تنفق على السلاح أكثر مما تنفق على المدارس والمستشفيات، وتخلق الأعداء لتلهي شعبها، ليست دولة حامية، بل آلة لإنتاج العجز واليأس.
اليوم، لم يعد السؤال: لماذا يغادر الشباب السودان؟ بل السؤال الأكثر قسوة: لماذا بقي من يستطيع الرحيل؟
الفشل لم يعد مجرد أخطاء متراكمة، بل سياسة واضحة، معلنة أو متواطئة، قوامها تدمير الإنسان من أجل حماية السلطة، ولو كان الثمن مستقبل وطنٍ بأكمله.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة