من منطلقات فلسفية يقولون: "الخيرية قد تختفي مؤقتا من مشهدٍ ما، لكن لن تنعدم من على الأرض" وعقدياً، ففي معظم الديانات السماوية، النصر النهائي للخير (العدل، الحق، الإيمان) هذا النصر حتمي. ومما لا شك فيه أن الذين يدعون لاستمرار الحرب، يدعون بكل وقاحة، إلى استمرار الشر المحض، في الحالة السودانية. لكي ينتصر دعاة الخير، المناوئون لاستمرار الحرب، من منظور فلسفي واجتماعي لابد من توفر أربع عوامل: أولاً: يحتاج الخيرية إلى تنظيم وصبر، لكي ينتصر في آخر المطاف، بينما الشر قد ينتصر مؤقتاً بالسرعة والعنف والإرهاب. ثانياً: عندما يدرك الناس أنّ الشر المستتر من استمرار الحرب، ترتفع فرص مقاومتهم وتزداد حظوظ استبسالهم للاستبداد والقهر الابتزازي. ثالثاً: تحتاج الخيرية إلى أناس لديهم الاستعداد للتضحية كشهداء مدافعين عن الحقوق المجتمعية والضرورات الإنسانية للحياة. رابعاً: لن ينتصر الخير بدون وجود مؤسسات قانونية وعدلية، فالخيرية لابد لها من سيوف عدلية توفر لها الحماية المنظمة والمتسقة. راهن "البلابسة" بصورة غبية على الحرب والخراب، كرافعة شريرة لاستعادة سلطتهم المفقودة، مخالفين بذلك الفطرة البشرية السليمة، التي تأبى القتل لأي مبرر، وتنفر عن الدمار. كيف يظن هؤلاء المعاتيه، أن الشعب السوداني، سيقف معهم في دعوتهم الباطلة باستمرار الحرب وتوالي الخراب؟ ولا غرو في ذلك، فهم من أشعلها عدواناً وظلما. رهان "البلابسة" على استمرار الحرب، رهان خاسر، كما خسروا من قبل، الركون على الإبادات الجماعية، واللجوء إلى القهر الجنسي، والتنكيل المميت لمئات الآلاف في أبناء الشعب السوداني، كل ذلك لم يضمن لهم الاستمرار في السلطة الفاشية. وأيضا من ناحية عقدية، كيف ينتصر من يخالف تعاليم الله لعباده المؤمنين حين قال عز وجل "وإن جنحوا للسلم فاجنح لها" وبأي مصوغ يضربون كلام الله عرض الحائط، وهم المتاجرون بالدين، والعابثون بالشرع الحنيف؟ وهل من يراهن على الخراب، يستحق النصر مهما كانت مبرراته؟ فها هم الآن يحصدون فقدان الشرعية تدريجيا داخلياً وخارجياً، ويضيق عليهم طوق العزلة الدولية، بعد أن وصموا بالإرهاب. فقد تحول "البلابسة" بموقفهم التراكمي الرافض للتفاوض والسلام، إلى معرقل لوقف الحرب، وليس مجرد طرف مشارك فيها، وقد خصروا فرصة أن يكونوا طرفاً في أي تسوية سياسية مستقبلية، بالاجتماع الداخلي والدولي، وهذا هو الخسران بالمبين. هؤلاء "البلابسة" التعساء، غافلون عن حقيقة أن مضابط التاريخ الإنساني، يؤكد أن من يرفض السلام، لا يكتب شروطه لاحقًا، بل تُفرض عليه. يقول المثل السوداني: "من يأبى الصلح ندمان" والتاريخ حافل بأثبات حقيقة هذا المثل الحي. إذ سجل تاريخ حروب المسلمين، خسارة جيش يزيد بن معاوية في معركة كربلاء عام 680م، بعد رفضهم ثلاث خيارات قدمها لهم الإمام على كرم الله وجهه، وترتبت على هذه الخسارة تبعات أخلاقية ومعنوية، إذ أصبحت معركة كربلاء نقطة سوداء في تاريخ بني أمية، إلى يوم الناس هذا، سيما مقتل الإمام الحسين بن على، وأضرّت بشرعيتهم دينياً وأخلاقياً لدى الكثير من المسلمين، أما الخسارة السياسية، على المدى الطويل ألهبت الحادثة المشاعر المعارضة لبني أمية، وساهمت في ثورات وانتفاضات أنهكت دولتهم لاحقا. تكرر ذات السيناريو في معركة العقاب 1212م حيث رفض الخليفة محمد الناصر خليفة دولة الموحدين، كافة دعوات الهدنة ووقف القتال مع النصارى، من منطلق القوة، ظاناً أن النصر حليفه، فخسر معركة العقاب، فكانت بداية النهاية لدولة الموحدين وسقوط الأندلس لاحقا. كذلك خسر المماليك معركة مرج دابق عام 1516م إذ عرض السلطان العثماني سليم الأول التسوية عل السلطان المملوكي قانصوه الغوري فرفضه الأخير بشدة، ورفض أي شكل من أشكال التفاوض، فخسر معركة الريدانية 1517م وسقطت دولة المماليك ولم تقم لها قائمة بعدها. ومما لا شك فيه أنّ "البلابسة" يراهنون على الوقت والإنهاك والفوضى، ناسين أنّ جميعها أسلحة ذو حدين، ليس لها ضمانات أن تكون في صالح أجنداتهم الشريرة، بل المؤشرات والقرائن، تؤكد أنها ضد مخططاتهم، اللاأخلاقية، ناسين أو متناسين، أن تاريخ الحروب الممتدة في السودان، لم يسجل نصراً حاسماً، أو هزيمة نظيفة، لأي جهة، ولن تختلف نائح الحرب الدائرة الحالية بالطبع. قال الشاعر الفلسطيني ماهر خضير (أبو العز): سيَنتَصرُ الحقُّ مهما طالَ ليلُهُ فالفجرُ يولدُ من رحمِ الظُّلَمِ //إبراهيم سليمان// أقلام متّحدة 22 ديسمبر 2025م
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة