بين الضمير والخراب: هل ضاع الوطن أم نحن الذين فقدنا الاتجاه؟ كتبه د. الهادي عبدالله أبوضفائر

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 12-12-2025, 03:56 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
12-12-2025, 11:05 AM

د. الهادي عبدالله ادريس ابوضفائر
<aد. الهادي عبدالله ادريس ابوضفائر
تاريخ التسجيل: 09-05-2017
مجموع المشاركات: 97

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
بين الضمير والخراب: هل ضاع الوطن أم نحن الذين فقدنا الاتجاه؟ كتبه د. الهادي عبدالله أبوضفائر

    11:05 AM December, 12 2025

    سودانيز اون لاين
    د. الهادي عبدالله ادريس ابوضفائر-UK
    مكتبتى
    رابط مختصر




    ١٢ ديسمبر ٢٠٢٥


    في قريةٍ أتعبها النسيان أكثر مما أرهقها الفقر، سقط رجلٌ تحت وطأة المرض فحمله أبناؤه من طبيبٍ إلى آخر، ومن مستشفى إلى مستشفى، حتى بلغوا الخرطوم، غير أن الوجع ظلّ صامداً. وحين أثقل التعب جسده، وضاق الأبناء بالإنفاق أكثر من وجع أبيهم، قالوا له بيأس: «خلاص يا أبونا، بعد ده نخلوك لي الله». فابتسم ابتسامةً واهنة، وقال بصوتٍ متكسّر: «لو خلّيتوني لله، بَقُتُلني بس»، ثم أردف هامساً، نعم الله كريم لكن خذوا بالأسباب ودّوني مصر أو الهند». لم تكن كلماته فراراً من القدر، بل وعياً بأن التوكّل لا يكتمل بلا سعي، وأن الإيمان لا يغني عن النظام. ولم يكن يتحدث عن جسده وحده، بل عن وطنٍ يبحث عن الشفاء ولا يجد طريقه.

    نحن، في كثيرٍ من أطوارنا، نشبه أولئك الأبناء الذين آثروا أن يُخفّفوا عبءَ محافظهم لا ثِقلَ وجعِ أبيهم، فصار الحرص على المال أثقل في قلوبهم من واجب الرحمة، وغدا التوفير فضيلةً حين غابت الإنسانية. وهكذا نفعل مع الوطن. نُكثر الحركة ونُحسن النيّة، لكننا نضل الطريق. نركض بين العواصم، نراهن على المؤتمرات، وننتظر المعجزات السياسية، فيما الجرح الحقيقي يكمن في الداخل. نعالج الأعراض ونترك الجذور، نبدّل الوجوه ونحتفظ بالبنية على علاتها. الوطن لا يحتاج إلى وعود جديدة بقدر ما يحتاج إلى ضمير يصحو، لا إلى مسودات تُكتب، بل إلى إرادة صادقة. وكما قال الأب لأبنائه: (ما قصّرتوا، لكن عليكم بالأسباب).

    لقد صار الخلل فينا أعمق. لا نعاني من شحّ القيم، ولا من قسوة الجغرافيا، بل من انقلاب الموازين الأخلاقية. فأصبح الصدق تهمة، والنزاهة عبئاً، والكذب مهارة، والرشوة تيسيراً، والمحسوبية خبرة، والعنصرية هوية، حينها يصبح الشذوذ الأخلاقي قاعدة، ويُبارك الاستغلال بوصفه حنكة. الرذائل تتحوّل إلى مهارات يومية، وتُدرّس بصمت كقوانين غير مكتوبة، تعلمنا كيف ننجو، لا كيف نعيش.

    لقد نشأ جيلٌ كامل يتعلّم درساً قاسياً. أن الطريق المستقيم غالباً لا يصل، وأن الأخلاق صفة ثقيلة على من يحملها، وأن النجاة الفردية أهم من سلامة الوطن. لكن الحقيقة المؤلمة أن الأمم لا تنهار بمجرد كثرة الأخطاء، بل حين تفقد القدرة على الخجل منها، حين يغيب شعور العار، وتصبح الرذائل مألوفة، والضمير صامتاً أمام الانحراف.

    الغريب في تجربتنا أنّ المأزق لا يكمن في غياب الكلمات، بل في انكسار معناها داخل الوجدان. نحن نحفظ كلمات مثل الشرف، الكرامة والشهامة كما نحفظ الأناشيد القديمة، نتلوها على ألسنتنا بإجلال، لكننا نفرغها من روحها، ونستبدلها بقيم السوق الباردة. المنفعة، الولاء الأعمى، والانتصار للقبيلة حتى لو كان على حساب الحقيقة. هكذا تصبح الكلمات مشاعاً فارغاً، وصدىً بلا أثر، وحين تصمت القيم، يضيع الإنسان في متاهة البقاء وحده.

    كذلك وفي المدن التي أرهقها الحرب، وفي القرى التي صارت تنتظر الخريف لا ليزهر الزرع بل ليغسل عنها غبار الإحباط، تشكّل وعيٌ جمعيٌ غريب. مزيج من التديّن العميق واليأس الصامت. نصلي، لكننا نبرر الظلم. نذكر الله، لكننا نصافح الفساد. نحلم بالعدل، لكننا نُطيل عمر الاستبداد بالصمت.

    المأساة ليست في البنادق، بل في العقول التي تعايشت مع الخراب حتى صار مألوفاً. ليس في الحرب وحدها، بل في تحويلها إلى قدر محتوم، وفي قبولها كجزء من العمل اليومي. وحين يصبح الشذوذ الأخلاقي هو القاعدة، فإنّ المجتمع لا يسير إلى الأمام ولا يتراجع، بل يتيه داخل ذاته.

    المجتمع الذي يزعم معرفة الطريق، بينما يسير في معاكسة فطرة الله التي فطر الناس عليها، لا يكون ضائعاً فحسب، بل قد باع بوصلة الحقيقة لمرايا الأنا، فانكفأت أعينهم على انعكاس الذات بدل الأفق. لا يسعون للحقّ، بل للصور المتلألئة لأنفسهم في عيون الآخرين، فتتحوّل الرحلة نحو الحقيقة إلى مسرحية صامتة، والضمير إلى مرآة مشوهة تُرضي الذات وتزيّف الواقع. وهكذا، يغدو النور داخلياً معطّلاً، فلا يهدي الطريق إلا لمن يجرؤ على كسر المرايا ومواجهة ما يختبئ خلفها.

    ليس ما ينقص الوطن أوراقاً تُوقَّع، ولا قوانين تُحرَّر، بل ضميرٌ يُبعث من تحت الركام. فالأوطان لا تُشفى بالحبر، بل بالوعي، ولا تُستعاد بالمؤتمرات، ولو عُقدت تحت أضواء باريس أو في أروقة جنيف، وإنما تُستعاد حين تجرؤ الأمة على النظر في مرآتها دون خوف. إن حاجتنا ليست إلى ثورةٍ تُبدّل الوجوه، بل إلى زلزلةٍ تهدم الأكاذيب التي احتمينا بها طويلاً، تلك الأكاذيب التي صنعنا منها جسوراً للنجاة الفردية، بينما كان الوطن يغرق ببطء. نحتاج إلى انتفاضةٍ داخلية، تسقط الأقنعة قبل أن تسقط العروش، وتعيد للإنسان صلته الأولى بالحقيقة.

    فالوطن لا يحتاج إلى دستور جديد بقدر ما يحتاج إلى ولادة جديدة للضمير، ضميرٌ حين يصحو، لا يبحث عن وصاية، ولا ينتظر خرائط جاهزة، بل يقود الأمة إلى ذاتها، هناك حيث يبدأ الطريق الحقيقي. فالأوطان لا تنهار حين يسرقها اللصوص، بل حين يصمت الشرفاء، ولا تموت حين تخسر المعارك، بل حين تعتاد الهزيمة وكأنها قدرٌ محتوم. والسؤال الذي ينبغي أن يُطرح ليس في صالات السياسة، ولا بين دفاتر البروتوكولات، بل في محراب الضمير. هل نريد وطناً نعيشه بكل كرامته، أم نريد فقط أن ننجو بأنفسنا؟.
    [email protected]

    Sent from Outlook for iOS























                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de