عندما بدأ الراحل محمد بشير المعروف ب " عبد العزيز حسين الصاوي" مشواره البحثي عن الأسباب التي تعيق عملية التحول الديمقراطي في البلاد، كتب في كتابه " الديمقراطية المستحيلة" ( منذ أواخر سبعينات القرن الماضي تقريبا بدأ ميزان القوى السياسي يميل بوتائر متزايدة ضد قوى و توجهات التغيير الديمقراطي نتيجة الجفاف المضطرد لمصادرة تعميق الثقافة و الوعي الديمقراطي لدى العامة) آواخر السبعينات 1977م، هي الفترة التي حدث فيها توقيع اتفاقية " المصالحة الوطنية" بين نظام مايو و الجبهة الوطنية.. ما هي الأشياء التي أحدثتها الاتفاقية لكي تؤثر بصورة مباشرة على عملية تجفيف مصادر الديمقراطية في البلاد؟ كان نظام نميري تحول من نظام حكم عسكري مباشر بعد انقلاب 19 يوليو إلي حزب واحد يدير الدولة في 1971م.. و أصبح الحزب يدير الدولة و العملية السياسية، و كانت أغلبية القيادات من عضوية الحزب الشيوعي الذين خرجوا على الحزب بعد انقلاب 19 يوليو، منع النظام قيام أية حزب سياسي خارج دائرة الاتحاد الاشتراكي، كانت الجبهة الوطنية تصارع النظام سياسيا و عسكرا.. و فشلت الجبهة الوطنية في عملها العسكري ضد النظام في 1976م الذي كان يسمى " انقلاب المرتزقة" النظام كان يعاني من ضعف، بسبب أزماته الاقتصادية التي تسببت فيها عمليتي المصادرة و التأميم عام 1970م حيث هرب رأس المال.. و أيضا الجبهة الوطنية أثرت فيها عملية فشل الانقلاب.. كان تحالف الضعفاء.. لم يوقع الحزب الاتحادي الديمقراطي بقيادة الشريف حسين و ظل في المعارضة.. لكن قيادة الطائفة كانت جزء من تنظيم الاتحاد الأشتراكي.. أرغم النظام الحزبين الأمة القومي، و الحركة الإسلامية، بالعمل السياسي من داخل "الاتحاد الاشتراكي" و موافقتهم شكلت أكبر ضربة للعملية الديمقراطية، حيث أصبح هناك ماعون واحد يسمح بالتفكير داخله.. و في تلك الفترة ظهر تنظيم الطلاب المستقلين باعتباره تيارا جديدا, كان عنده موقفا سلبيا من الأحزاب السياسية، و اهتموا بقضية الخدمات، و الروابط الثقافية و المناطقية، الأمر الذي أثر سلبا على دور الطلاب السياسي.. كلها عوامل جففت المصادرالتي تأتي منها الثقافة الديمقراطية.. جمدت الحركة الإسلامية صراعها مع نظام مايو عبر كل واجهاتها، في تلك الفترة أهتمت الحركة الإسلامية بتأسيس مصادرها المالية و الاقتصادية التي جعلتها تتمدد في المجتمع داخل الأحياء، بهدف أن تتحول إلي قوى شعبية، و أيضا بدأت تهتم بالعمل النقابي، هذا النشاطات من أجل البناء التنظيمي جمد نشاطاتها السياسية الأخرى.. حزب الأمة خرج الصادق المهدي من الاتحاد الاشتراكي ضرب عليه النظام حصارا أمنيا. أيضا أضعف دور الحزب السياسي لآن زعيمه كانت تحت الرقابة المتواصلة.. الشريف حسين أهتم بقطاعين الطلاب والنقابات العمالية و موته المفاجيء أثر سلبيا على النشاط السياسي للحزب.. الحزب الشيوعي قيادته كانت تحت الأرض.. كل هذه كانت مؤثرات سالبة نالت من فاعلية الأحزاب، و أيضا على التحصيل المعرفي و الثقافي الذي يقوي المقدرات للعضوية الحزبية.. لم يكن غريبا أن انتفاضة إبريل 1985م، يكون وراءها " التجمع النقابي" باعتباره كان القوى الفاعلة و النشطة، و جاءت الأحزاب السياسية إلي الديمقراطية الثالثة و هي تعاني من إشكاليات تنظيمية و معرفية و ثقافية، و لم تستمر طويلا حتى وقع انقلاب الجبهة الإسلامية في 1989م التي حلت الأحزاب و منظمات المجتمع المدني و صادرت الحريات و حاصرت العمل النقابي.. الأمر الذي أضعف العمل السياسي تماما.. ثم أسست الحركة الإسلامية دولة الحزب الواحد و نتيجة لانغلاق النظام السياسي كان لابد أن تتفجر الصراعات داخله التي أدت للمفاصلة في 1999م.. أضعاف العملية السياسية أثر في الإنتاج الفكري و الثقافي الأمر الذي أدى لدعوة الهامش ضد المركز و أصبحت البندقية أحد أدوات الصراع السياسي، في الوقت الذي غاب فيه الإنتاج المعرفي و الفكري في كل القوى السياسية، و حتى النشاط الكتابي للسيد الصادق المهدي لم يجد له صدى لا داخل مؤسسته و لا خارجها لذلك ذهب به لمركز الدراسات العربية في القاهرة و الأردن و غيرها... جاءت ثورة ديسمبر وجدت العجز السياسي متحكم في كل القوى السياسية، الأمر الذي أفرز قطبين الأول الذي كان في السلطة " قحت"، و الأخر الذي كان في المعارضة " الحركة الإسلامية" و الصراع لم يكن صراعا فكريا يخلق وعيا وسط الجماهير، بل كان صراعا من أجل كسر العظام، و استمر الصراع يتمدد ليشمل المكون العسكري، إلي جانب التدخلات الخارجية التي أيضا كانت تنظر للصراع من خلال أجندتها.. ألان الصراع الظاهر في وسائل الإعلام و الاتصال و الصحافة هو صراع بين محمورين.. لذلك جاءت دعوة البرهان للرجوع للعلم القديم، ليس باعتبارها دعوة بهدف تعظيم قضايا النضال لتاريخية، أنما هي دعوة للرجوع إلي منصة التأسيس، و تتحول من عملية صراع لكسر العظم، إلي صراع سياسي تتحكم فيه الأفكار، و منتج للثقافة الديمقراطية.. أن منصة التأسيس لم يكن فيها قطبين كانت تتحمل عدة أقطاب و أراء في إدارة الأزمة، و لم تتحول إلي حروب بين الفرقاء.. و أيضا كانت منتجة للأفكار، حتى القوى المثقفة كانت تتدخل في الصراع لكي تطرح العديد من الأسئلة " كانت مجلتي النهضة و الفجر" و بعدها كانت المدارس الأدبية مدرسة الغابة و الصحراء و مدرسة الخرطوم و مدرسة أبادماك و هم الذي أسسوأ كان المسرح و مدراس الفن التشكيلي التي أنتج "سودانوية" فروقات كبيرة جدا في المعرفة و الفكر و الحوار.. لذلك الرجوع إلي منصة التأسيس مسألة مهمة، و أيضا العمل من أجل استبدال الشعارات بالفكر.. أن الرجوع للعلم القديم ليس ترف ثقافي أنما محاولة لنهضة القوى السياسية التي تراجعت كثيرا في مسارات أصابها الكثير من الأختلالات... نسأل الله حسن البصيرة...
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة