في اليوم الاول من كانون الاول ديسمبر يعاودني خواطر وذكريات أزمنة مضت وحقب من التاريخ السوداني العامر المتدد بالحروب والكراهية والبغض . تاريخ السودان ومنذ فجر الاستقلال لم يسلم يوماً من نزف الجراج ازهاق الاروح وقتل النفس التي حرم الله قتلها . هذا التاريج المتسلسل بعنف الدولة المستمر ضد مواطنيها انتهي بالسودان الحروب الاهلية التي اجتاحت كل ربوعه ولم يسلم من بقعة أرض فيه لم تسيل في الدماء القانية او يقتل فيه انسان الاطفال الابرياء بدم بارد . كما لم تسلم النساء الحرائر من البطش والتنكيل والاغتصاب درجة اضحي فيه الاغتصاب ممارسة يوميه شبه عاديه يقدم عليه الاقوياء علي الضعفاء دون وازع او تأنيب ضمير بلا حياء ولا خجل واحيانا قدام الازواج والابناء . تعيدني الممارسات الغير انسانية باتاً الي ذكري زيارة نيافة الحبر الاعظم بابا الفاتيكان الي السودان في العام 1993 م . وقتها كان الشطر الجنوبي من السودان وأقليم جبال النوبة والنيل الازرق ساحات ومياديين حروب مفتوحة . وكانت النعرات العنصرية الجهوية القبلية دين ولون وعرق هي العناصر البغضية التي تغذي تلك الحروب وتعجج نيرانها . وكانت زيارة الباب يوحنا بولس الثاني للسودان زيارة رسولية بغرض ولأجل لفت نظر السودانيين جميعاً الي التسامح السمو فوق الجراح والتصالح مع بعضهم بعضاً ووقف الحرب . لكن هيهات هيهات فأذان السودانيين كانت صماء وكان الحوار السلاح ولم يزل حتي اليوم هو اللغة التي يفهما الفرقاء لينتهي الامر بأنفصال جزء عزيز من الوطن الحبيب . مع هذا كل لم يع السودانيين الدروس ولم يعتبروا من المواعظ . بل لو ان نهم شهيتهم ازدادت اكثر نحو المزيد من الحروب الاقتتال بشراسة ضرواة اكثر . اليوم كما اسلفت لم يسلم ولا يوجد مكان أمن في السودان لم يزره طيف الحرب ولا بيت واحد لم يخشاه ملاك الموت او تخيم عليه كأبة الاحزان والدموع . وتشرد السودانيين نزوحاً ولجوءاً من تبق مكاناً في كل العالم لم تطأه اقدام السودانيين التواقين الباحثين علي الامن والسلام الذي فقدوه غي وطنهم . بهذه المناسبة اعود القهقري الي الوراء وذكري زيارة البابا يوحنا بولس الثاني الي السودان عسى ولعل الذى تنفع شيئاً ! المقال ادناه كتبه في رحيل البابا يوحنا بولس الثاني متذكراً مأثره واعماله الجليلة مختصاً به زيارته الرسولية السودان فبراير 1993. كانت الزيارة التي استغرقت تسع ساعات، حيث وصل إلى مطار الخرطوم في 10 فبراير 1993. وقتها كانت الاوضاع السودانية المتردية عندما زار الحبر الاعظم البابا يوحنا بولس الثاني السودان ... و كانت زيارته بمثابة القاء الحجر في بركة الحوار السوداني الساكن او الراكد .. و قد اخترقت زيارة البابا للسودان الجدار .. و فتحت كوة في المواقف السودانية المتصلبة و أرسي بداية للتفاهم و التحاور و الاقرار بمبدأ قبول الاخر و احترامه .. أسس زيارة البابا للسودان منطلقاً للمواطنة في ظل الاختلافات العقائدية و العرقية في السودان .. اتذكر تقاطر البشر في تلك الايام الي الخرطوم اذ تقاطر السودانيين من كل ارجاء السودان من الجنوب و الغرب و من الشرق و الشمال والجزيرة و من كل أحياء العاصمة المثلثة صوب مطار الخرطوم في ذلك الصباح الشتائي البارد.. فقد زحفت الجموع زحفاً نحو مطار الخرطوم لاستقبال البابا و قد ضاق بهم الخرطوم و لم تسع الحشود المليونية المتجة الي الساحة الخضراء .. و التاريخ اليوم يعيد نفسه في ساحة القديس بطرس بروما فقد زرع البابا الجميل بين كل الشعوب و ها هو اليوم يحصد ما زرع فالزيات اليوم تبدو عكسية الي الفاتيكان ....
احتشد السودانيين بشتي الوان طيفهم الديني و القبلي لاستقبال البابا و كانت الفرحة العارمة تغمر أفئدة و قلوب الجميع .. و لا عجب في أن يكون لزيارة البابا الي السودان الاثر الكبير في تهدئة نفوس السودانيين وتليين مواقفهم بعض او زحزحة ثوابت الطرفين في الحكومة كما والحركة الشعبية .. كانت الزيارة بمثابة التعزية السماوية الي السواد الاعظم من الشعب السوداني الذي عاني الكثير من ويلات الحرب وذاق مرارته و اكتوي بنيرانه ... و استطيع هنا القول بأن زيارة البابا للسودان كانت هي النقطة الفاصلة او بداية النهاية لحرب السودان الطويل في ذاك الزمان.. و قد بدأ العد التنازلي للحرب السودانية الشرسة عقب تلك الزيارة البابوية العظمي الي السودان ..
أننا في السودان ايضاً سنظل مدينين للبابا كما سائر شعوب العالم في فلسطين و العراق و كاسوفو و البانيا و بولندا موطنه الاصلي كما ايضاً شعوب امريكا اللاتنية و كوبا و شعوب شرق اسيا الفقيرة ..
و لا يمكن التحدث عن الحبر الاعظم البابا يوحنا بولس الثاني دون التعرض الي حادثة محاولة اغتياله قبل نحو عقدين من الزمان علي يد المواطن التركي محمد أغا .. فقد أطلق محمد أغا الرصاصة علي البابا و كاد ان يرديه قتيلاً لو لا عناية ورحمة الله الفائقة جداً .. وقد عفا البابا عفواً شخصياً عن محمد أغا بعد ان زاره في أحدي السجون ..
و ها هو محمد أغا يتابع من سجنه باسطنبول في تركيا تداعيات مرض البابا و موته و يتابع ايضاً تدفقات الناس من شتي بقاع العالم للمشاركة في جنازة البابا .. و قد تقدم أغا بطلب الي الحكومة التركية يطلب فيه عبر محاميه السماح له بيومين ليشارك في جنازة الرجل العظيم الذي أقدم في يوم من الايام علي قتله دون جريرة او ذنب ... كما ان أغا يريد ان يعترف بالخطأ الذي ارتكبه بحق البابا .. و قد قبل سماحة البابا الاعتراف مسبقاً و عفا و سامح قبل أن يطلب منه ذلك ...
لقد سعي الحبر الاعظم يوحنا بولس الثاني السعي الحسن و اكمل الايمان و العمل فهو يستحق اكليل المجد الذي سيهبه له الرب الديان في ذلك اليوم ..
لاشك في أن حبرنا الاعظم يرقد الان في سلام انتظاراً لذلك اليوم العظيم الذي سيطوبه فيه الرب الاله بالافراح السماوية قائلاً له . وقال له سيده: نعما أيها العبد الصالح الأمين! كنت أمينا في القليل فأقيمك على الكثير ادخل إلى فرح سيدك ) آية (مت 25: 23):
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة