Post: #1
Title: يا جامع يا رقيب… كتبه محمد عبد القادر محمد أحمد
Author: محمد عبد القادر محمد أحمد
Date: 11-20-2025, 10:24 AM
10:24 AM November, 20 2025 سودانيز اون لاين محمد عبد القادر محمد أحمد-UAE مكتبتى رابط مختصر
مع الاحترام ، لم يكن د. كامل إدريس محتاجاً لعرّاف يفسّر له لماذا تم انتشاله من مقاعد النسيان الأممية ورُمي فجأة في حضن رئاسة الوزراء. فالرجل بعُمق تجربته لا بسذاجته يعرف قبل غيره أنه لم يُستدعَ ليقود مرحلة، بل ليُستَخدم كواجهة ناعمة في زمنٍ خشن. ومع هذا، تصنّع الدهشة، رغم أن قلبه كان يعرف أن الذين أتوا به لا يريدون “رئيس وزراء” بقدر ما يريدون لافتة تُخفّي وراءها الفوضى.
ومع ذلك… لا بد من الاعتراف أن للرجل حلماً قديماً، حمله على كتفه عشرين عاماً. حلمٌ ظلّ يلاطفه في صمته، يرممه كلما تهدّم، حتى إذا جاءه ذلك الاتصال، لم يسأل عن شروط اللعبة ولا عن حدود صلاحياته. المهم أن تأتيه الجملة السحرية: “حضّر نفسك يا دكتور… البلد دايراك.”
فنهض لا طمعاً كما يقول البعض بل بدافع تلك الرغبة الإنسانية القديمة التي لا تُلام، رغبة أن يختم المرء سيرته بكرسي يُحسَب له. وما إن أغلق الخط حتى فتح باب الترزّي. دخل عليه دخول من ظنّ أن العمر أخيراً فتح له نافذة، وخرج بترسانة أقمشة وعشرون بدلة، اثنتان منها “بستة زراير”، وأربعة “سيدرهات” لزوم المشاهد البروتوكولية التي كان يجهّزها في ذهنه منذ كان موظفاً شريفاً يجري خلف النظام لا خلف النفوذ.
ثم حمل هذه الأحلام كلها على كتفه، وصعد في أول طائرة إلى بورتسودان. لم يأت يسأل عن برنامج حكومة، أو صلاحيات، أو ولاية على المال العام… بل جاء بطبيعة الرجل الحالم لا بحسابات السياسيين يسأل عن الكاميرا التي ستلتقط أول صورة له وهو يسجد على أرض الوطن.
ولأن د. كامل، رغم خبرته الدولية، ظلّ محتفظاً بنقائه الأكاديمي، ظنّ أن السياسة تُدار كما تُدار مكاتب جنيف. فدخل إلى رئاسة الوزراء وهو يحمل معه فكرة “الحوكمة الرشيدة” إلى مكانٍ آخر احتكاك لأهله بالقانون كان عندما كتبوا أسماءهم في دفتر الحضور المدرسي.
وللإنصاف… د. كامل لم يكن فاسداً، ولا من أهل المكايدات. هو فقط رجلٌ دخل حلبة لا تشبهه.
ولذلك، ففرصته الذهبية الآن هي الاستقالة. استقالة تحفظ ماء الوجه، مصحوبة بخطاب بالإنجليزية أو الفرنسية أو الإسبانية(لا يهم) فحاصل الكلام واحد: “جئتُ كي أُصلح… ولكن قوى الفساد كبّلت يدي.”
وسيعود إلى العالم يروي حكايته كضحية… بينما يبقى السوداني، كالعادة، الضحية الوحيدة التي لا يرويها أحد.
“ماهو عارف قدمو المفارق… يا محط آمالي السلام.”
|
|