حرب الوعي ضد التضليل الإعلامي في السودان كتبه مها الهادي طبيق

حرب الوعي ضد التضليل الإعلامي في السودان كتبه مها الهادي طبيق


11-06-2025, 11:04 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1762427086&rn=0


Post: #1
Title: حرب الوعي ضد التضليل الإعلامي في السودان كتبه مها الهادي طبيق
Author: مها الهادي طبيق
Date: 11-06-2025, 11:04 AM

11:04 AM November, 06 2025

سودانيز اون لاين
مها الهادي طبيق-Sudan
مكتبتى
رابط مختصر




يشهد السودان اليوم أخطر حرب في تاريخه التي دمّرت المدن وأحرقت القرى ، وذلك بسبب الحرب الخفية على الوعي — حيث تُدار المعارك في العقول قبل أن تُدار على الأرض .
هذه حربًا إدراكية في المقام الأول قبل ان تُستخدم فيها المعلومة كسلاح ، والدعاية المضللة كرصاصة.

منذ اندلاع الصراع ، دخلت البلاد في موجة غير مسبوقة من تزييف الوعي والتضليل الإعلامي المصطنع والممنهج . تحوّلت المنصات الرقمية إلى ساحات قتال معرفي ، يتنافس فيها كل طرف على فرض روايته وتوجيه الرأي العام . وفي ظل انهيار المؤسسات الإعلامية الوطنية ، أصبح المواطن السوداني عالقًا بين سيل من الأخبار المتناقضة ، والعناوين المضللة ، والمقاطع المفبركة التي تُصاغ بخبرة تكنولوجية وأجندات سياسية خفية .

يقوم التزييف الاعلامي الحالي على منظومة متكاملة لهندسة الإدراك الجماعي ، تتجاوز نشر الأكاذيب إلى صناعة واقع بديل يخدم مصالح الأطراف المتحاربة ، ومن أبرز ملامحه :

تصوير الانتصارات الوهمية على أنها “ تحرير وطني ” ، والهزائم على أنها “مؤامرات دولية” ، من خلال توظيف الرموز الدينية والشعارات الوطنية لتعبئة العواطف وتبرير العنف . تم استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي لفبركة الصور والفيديوهات ، وبناء مشاهد افتراضية تقنع الجمهور بما لا وجود له . هذه المنظومة لا تستهدف الحقيقة بقدر ما تدمّر الثقة في الحقيقة ذاتها ، حتى يفقد المواطن القدرة على التمييز بين الواقع والدعاية المضللة ، وبين الخبر والتحريض .

أصبح المواطن كضحية وفاعل في آنٍ واحد ، مما يجعل الخطر الأكبر في حرب الوعي أن المجتمع نفسه يصبح أداة لإعادة إنتاج التضليل . فعندما يشارك المواطن في نشر الأخبار دون تحقق ، يتحول — من حيث لا يدري — إلى جزء من ماكينة التزييف . وهكذا يُحوَّل الشعب إلى وسيلةٍ لتكرار الأكاذيب التي تُوجَّه ضده ، والنتيجة هي أن جعلت المواطن السوداني يعيش في حالة من الضباب المعرفي ، يستهلك الأخبار بلا ثقة ، ويتنقل بين روايات متناقضة ، ويُصاب بإرهاق إدراكي يجعله عاجزًا عن اتخاذ موقف وطني واضح .
وهذا هو الهدف العميق لحرب الوعي وهو تحييد العقول عبر إنهاكها بالمعلومات .

أنحرف الإعلام السوداني — الرسمي والخاص — عن المسؤولية وفشل في لعب دوره كسلطة تنوير ومساءلة . فبدل أن يكون صوتًا للحقيقة ، تحوّل في كثير من الأحيان إلى منبر تعبئة وتحريض . وبالتالي تراجع الخطاب المهني أمام الولاءات السياسية ، وغابت المنصات المستقلة القادرة على التحقق من المعلومات ، مما جعل الساحة مفتوحة أمام الجيوش الإلكترونية ومصانع المحتوى المضلل .

لمواجهة التزييف الإعلامي ، يجب ألا تقتصر على الإعلاميين وحدهم ، بل هي معركة وعي وطني شاملة ، تبدأ من إعادة تعريف أدوار الإعلام والتعليم والثقافة في بناء المواطن المفكر لا المنفعل بعواطفه .
ويتطلب ذلك :
إنشاء منصات تحقق وطنية مستقلة تعمل بمعايير مهنية شفافة . وإدماج التربية الإعلامية في المناهج التعليمية لتعزيز التفكير النقدي لدى الأجيال الجديدة . وكذلك تفكيك الخطاب الدعائي الذي يستغل الدين والهوية لتبرير السلطة أو استمرار الحرب .
بالإضافة إلى إطلاق مشروع وطني للحقيقة يقوم على الشفافية والمساءلة والمصداقية .

عليه يجب أن ندرك إن أخطر ما يهدد السودان اليوم ليس السلاح وحده ، وإنما العقل الذي يُعاد تشكيله وفق روايات السلطة والدعاية . فحين يُهزم الوعي ، تسقط الدولة . فالحرب على الوعي هي حرب على المستقبل نفسه ، ومعركتنا الحقيقية هي معركة استعادة البصيرة في زمنٍ تتكاثر فيه الأصوات وتختفي الحقيقة . ومن لا يمتلك وعيه ، لا يمتلك مصيره .

مها الهادي طبيق
6 نوفمبر 2025
[email protected]