متى تستفيد الامارات من تجارب أمريكا؟ ماهي خيارات السودان للخروج من الحلقة المفرغة؟
بقلم: حسن أبو زينب عمر البحث عما يجري حاليا في السودان سياسيا وعسكريا كان أشبه بالبحث عن ابرة في كومة تبن في ليل حالك بسبب بسرعة تسارع وتيرة الأحداث على الأرض بصورة دراماتيكية .. الآن (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا (واستيقظنا على مشهد خارج توقعات أكثر المتشائمين وهو بسط ميليشيا الدعم السريع سيطرتها على أهم مكامن القوة في فاشر دارفور وهي الفرقة السادسة مشاة التي انسحبت بعد صمود دام العامين في خطوة نسفت كل برنامج الهدنة الذي أتي في صدارة أولويات الرباعية. الذي يستوقف هنا ان الجرائم التي ارتكبتها ميليشيا الدعم السريع لم تجد استنكارا من الرباعية التي تشرف على اللقاءات للتركيز على السلام الذي تقول أن لا خيار غيره وان واشنطن دي سي وحدها ستأتي بما لم يستطعه الأوائل في جدة وأديس أبابا والمنامة والقاهرة وكمبالا فحسب بل لم تجد ذكرا حتى من الصحافة العالمية وبالذات الغربية ..فالمذابح مرت مرور الكرام ولم يرشح منها سوى استنكارا واستهجانا لا حول له ولا قوة من أتحاد أبناء دارفور وكردفان تجاه المليشيا التي استهدفت بالقتل والذبح ذويهم العزل الفارين من الحرب للنجاة بأرواحهم من جحيم المحرقة . (2) الموقف العسكري حقيقة ليس أقل غموضا من الموقف السياسي بين بيانات من المليشيا تؤكد سيطرتها ليس على مواقع الفرقة السادسة مشاة بل مجمل الفاشر وبارا وتصريحات من الجيش ان قواته لازالت تخوض معارك من الكر والفر ولكنها لم تضع النقاط على الحروف وتوضح ان كانت سقوط الفرقة السادسة مشاة كان نتيجة ثغرة أشبه بالثغرة التي أدت الى تسلل الميليشيا الى مدني عبر كوبري (حنتوب) واحتلالها قبل استردادها من الجيش لاحقا سيما وان الجيش كان قد أعلن قبل فترة انه تمكن وبكفاءة واحترافية عالية من انزال شحنة من الأسلحة والمعدات للفرقة المحاصرة. أم ان الأمر كله متعلق بتغير أصاب الموازنات على الأرض يتعلق بخروج قوات البراؤون من ساحة الحرب للضغط على الحكومة برفض الانصياع لقرار الرباعية بإيقاف الحرب؟ (3) الخلاصة انه أيا ما كانت التفسيرات فان أهم أهداف الرباعية وهو وقف إطلاق النار cease fire تأكد أنه مات قبل أن يولد حيث ارتكبت الميليشيا انتهاكات لا أنسانية خطيرة ضحاياها مدنيين من أضعف شرائح المجتمع في سياق تنفيذ مخططها بتكبير كومها ولفت نظر الوسطاء انها موجودة في الواقع السياسي والعسكري حتى فوق جماجم الناس بمبدأ الغاية تبرر الوسيلة. بل ان الاستهداف طال خيرين حاولوا أسعاف محاصرين كانوا يقتاتون (الأمباز) وهو علف للماشية ببعض الغذاءات المعينة. ( 4) يتساءل تقرير لمنظمة السلام الدولية هل بوسع أمريكا (ترامب) إيقاف الحرب؟ الإجابة نعم ولكن فقط السودانيون هم الوحيدون الذين يمتلكون قرار انقاذ السودان .. صحيح ان الطريق الى السلام قد يمر بالعواصم العربية الثلاثة القاهرة وأبوظبي والرياض ولكن لن يجير هذا لصالح الديموقراطية والوحدة السودانية لأن طاحونة الحرب لن تنتهي طالما ان الدول الثلاثة تحتشد وراء الجيش والدعم السريع ولكن اجتماع الرباعية قد يحيد مصالح الدول الثلاثة اذا استخدم ترامب الرجل ذو (العيون الزائقة) سلطاته وهو أمر فاعل في إيقاف الحرب فشلت فيه حكومة (بايدن) ولكن في النهاية يظل الاتفاق بين دول الرباعية صفقة وليست تحقيقا للسلام الذي يأتي عبر الحوار والعدالة والمشاركة بقدر ما هو تبادل مصالح بين الممثلين الأربعة فعلى سبيل المثال يقول المحلل السياسي محمد عثمان إبراهيم ان الفرقاء الجيش والدعم السريع هما داخل قائمة الطعام menu ولكنهما ليسا مدعوين للمشاركة في المأدبة . وسيجبران لاحقا على أكل الطبخة التي ربما تكون مسيخة للميلشيا ولكنها قطع شك بطعم الحنظل للجيش. (5) الدروس المستفادة من الحرب اللعينة التي أصبحت خابورا للسودان أن الدعم السريع لديه حليف جاهز لخوض المواجهة لنهاياتها مهما بلغت الكلفة وهو حليف تضع له أمريكا ألف حساب بل ان واشنطن ليست جاهزة للقيام بأي دور لتجسير الهوة بين السودان والامارات ولن يرف لها جفن للمذابح والانتهاكات الأخلاقية وتدمير المقدرات السودانية من قبل الميلشيا حتى لو تكرر سيناريو هولا كو واكتست مياه النيل بالأحمر القاني كما حدث لنهر دجلة وهو ما يفقده السودان فعلاقته بالدولتين الحليفتين لا يتجاوز التعاطف من منازلهم. بالمختصر المفيد فان صوت أمريكا (مهندس السلام) من السجل الأسود للمليشيا التي لم تترك موبقة الا وارتكبتها ليس صوتا عاليا غاضبا رادعا بل أكثر رقة من صوت ليلى المغربي الذي قال فيه الشاعر محمد يوسف موسى (مثل الحرير نعومة ونداوة وتكسرا) .
(6) في حوار لفضائية الجزيرة قال مسعد بولس مستشار الرئيس الأمريكي للشؤون الأفريقية تعليقا على مجازر الدعم السريع التي لازالت دماء ضحاياه المدنيين العزل ساخنة في الفاشر ان أمريكا تهتم فقط بالجانب الإنساني والسؤال هنا أنه اذا كانت دموع النساء والأطفال والشيوخ المشردون في الفلاة الراكضون الى لا مكان حاملين فوق رؤوسهم ماقل ودل من متاع الدنيا و يتسولون العالم بإنقاذهم من الموت بدم بارد من قبل قوات آل دقلو فماهي معايير الإنسانية ؟..أنه كلام والسلام ولكن رغم هذا فبولس يفتي بأن لا حل عسكري للنزاع بخلاف التفاوض ولو رجع بالذاكرة الى الحرب العالمية الثانية سيتأكد ان وينستون تشرشل رئيس وزراء بريطانيا حينها لم يرفض عرض (رودلف هيث) نائب أدولف هتلر بإبرام صفقة سلام من وراء الفرهرر فحسب بل سجن صاحب المبادرة وساقه مقيد اليدين ليواجه مصيره أمام قضاة محكمة نورمبرج في الفترة بين 20 نوفمبر 1945 -1 أكتوبر 1946. ولكن بعكس الجيش فالتفاوض هو حلم الميلشيا لكونه طوق النجاة الذي يمنحها الشرعية وسط المياه المتلاطمة. (7) بولس رفض الحل الليبي للنزاع للتداعيات والانعكاسات الخطيرة على مجمل الأوضاع في منطقة البحر الأحمر. أما فيما يتعلق بجاهزية أمريكا لفرض عقوبات على الطرف الذي يصر على الحرب فقد كانت اجابته باهتة ومن العموميات اذ قال ان أمريكا لديها خيارات كثيرة متاحة يمكن اللجوء اليها. وبصرف النظر عن الخيارات الامريكية المطروحة ومنهج ترامب الذي يعلو ولا يعلى عليه (أمريكا أولا) وهو منهج ليس في حاجة لدرس عصر لاستيعابه وهي ان أمريكا لمن يدفع أكثر. السؤال هنا كيف سيتمكن السودان من السيطرة على الثور الهائج هل بالإمساك بقرونه ام بذيله؟ السؤال يستمد شرعيته وسط تسريبات مجهولة المصدر كشفت عن وفد من الجيش السوداني تقدم بعرض للإدارة الأمريكية بمنح امتيازات اقتصادية تتضمن حقوق استثمارية في معادن السودان وامتيازات على سواحل البحر الأحمر بهدف الضغط لإجبار قوات تأسيس بوضع السلاح والانسحاب الى معسكرات خارج الفاشر فضلا عن التنازل عن مطلب تسليم البلاد لحكم مدني. ولكن هناك أيضا صعوبات أمام هذا الخيار فروسيا والصين قدمتا الكثير للسودان منها الموانئ والقواعد العسكرية بل ان الدولتان شكلتا وتشكلان درعا دبلوماسيا للسودان بسلاح الفيتو في مجلس الأمن الذي كم أنقذه من الادانات فهل يقلب البرهان ظهر المجن عليهما ويبيعهما الى أمريكا في غمضة عين وانتباهتها؟ (8) هذا خيار مطروق ضمن الخيارات الأخرى وان كان ليس نزهة على شاطيء لازوردي. من الخيارات الأخرى في تقديري انه إذا استحال التفاوض مع العصابات المتمردة فان على الحكومة فتح نافذة تواصل عبر الوسطاء مع مجموعات صمود وقحطت للتوصل الى نقاط تفاهم بصرف النظر عما إذا كانت هذه الجماعات تشكل ذراعا سياسية للدعم السريع لأن القناعات انه ما كان لها أن تمد يدها الى عصابة آل دقلو التي لم تقدم منهجا يقنع راعى الضأن في الفلاة ناهيك عن كل ذو بصر وبصيرة لولا تعصب المجلس السيادي بل ان الباب ينبغي أن يكون مواربا حتى أمام الامارات نفسها لإقناعها أن مصالحها في السودان لن تتحقق عبر المرتزقة المأجورين وجماعة آل دقلو المجرمة المرفوضة محليا ودوليا. (9) إذا قرأت أبو ظبي التاريخ بهدوء وعقلانية ستجد تحت أقدامها دروسا بليغة اذ ان أمريكا التي أصبحت الآن القبلة التي تتم عليها الصلاة هربت بجلدها من المستنقع الفيتنامي مجبرة في 15 أغسطس 1973 بعد فشلها في تحقيق النصر بسقوط العاصمة (سايقون) أمام قوات الفيت كونج وغادرت الأحراش بعد مصرع 58 ألف جندي وفقدانها 2251 طائرة حاملة فوق كاهلها خسائر مالية تقدر ب 120 مليار دولار أما في أفغانستان فالدروس أكثر بلاغة فقد قدرت خسائر أمريكا ب 2,3 ترليون دولار ومصرع 2324 عسكريا و3917 متعاقدا و1144 جنديا من قوات التحالف فهل تبقى شيئا غير المرارات التي يعاد اجترارها دون جدوى . مدخل للخروج على الأمارات الخروج من دائرة الجنون بالرهان على حركة عنصرية معزولة مجرمة لن تجد قبولا واعترافا حتى لو انطبقت الأرض على السماء ودونها ليبيا وأرض الصومال Somali Land وقبلها (بيافرا نيجيريا) التي دكتها طائرات يعقوب جون في 15 يناير 1970 واختفت من سطح الأرض دون أن تجد دمعة باهتة تنعاها فهل تستوعب أبو ظبي الدروس ؟.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة