Post: #1
Title: النسوية مشروعًا للإنسان والمجتمع الواعي كتبته مها طبيق
Author: مها الهادي طبيق
Date: 10-15-2025, 10:47 AM
11:47 AM October, 15 2025 سودانيز اون لاين مها الهادي طبيق-Sudan مكتبتى رابط مختصر
منذ منتصف القرن العشرين ، تغيّر العالم كثيرًا في أفكاره ومجتمعاته ، وظهرت النسوية كمشروع يسعى إلى إعادة التفكير في علاقة المرأة بالمجتمع والسلطة والحياة العامة . لكن عندما وصلت هذه الفكرة إلى مجتمعات الجنوب ، واجهت سؤالًا صعبًا : كيف يمكن الدفاع عن حقوق النساء دون تقليد النموذج الغربي الذي يربط العدالة بحرية الفرد فقط ، بعيدًا عن واقعه الاقتصادي والثقافي والاجتماعي ؟
العدالة النسوية المجتمعية تقدم طريقة جديدة في فهم المساواة . فهي تنطلق من واقع النساء الحقيقي ، لا من أفكار جاهزة ومستوردة ، وتعيد تعريف العدالة باعتبارها علاقة إنسانية تربط الفرد بالمجتمع والبيئة ، لا معركة بين الرجل والمرأة .
في التجربة الغربية ، قامت النسوية على فكرة الحرية الفردية الكاملة دون قيود ، فصارت العدالة تعني تمكين المرأة من اختياراتها الشخصية فقط ، حتى لو كانت بعيدة عن ظروفها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية . لكن هذا الفهم ، رغم نواياه الجيدة ، قد يخلق ظلمًا جديدًا عندما يتجاهل الفقر ، والتمييز الطبقي ، والعادات المتجذرة ، والتفاوت بين المدن والأرياف . فالعدالة لا تتحقق حين تتحرر امرأة واحدة من القيود ، بل حين تتحرر البنية الاجتماعية كلها من اللامساواة التي تصنع التبعية الجماعية للنساء ، خصوصًا في المناطق الهامشية والريفية والمتأثرة بالنزاعات والحروب .
وفي مجتمعاتنا ، لا يمكن فصل قضايا النساء عن مشكلات القهر السياسي والاقتصادي والثقافي . لذلك ، تعيد العدالة النسوية المجتمعية ترتيب الأولويات ، فتركز أولًا على الحق في الحياة والأمان والكرامة ، قبل المطالبة بالمناصب والتمثيل السياسي رغم أهميتها . كما تشجع على إشراك الرجال والمجتمع في عملية التغيير ، لأن العدالة مشروع جماعي لا يقوم على الصراع . وهي ترى أن التعليم ، والتمكين الاقتصادي ، والقوانين العادلة ، أدوات لتحقيق العدالة وليست غايات بحد ذاتها . الهدف هو إعادة بناء المجتمع على أسس أخلاقية وإنسانية ، حتى تصبح العدالة جزءًا من الضمير الجمعي والثقافة العامة .
ومن أبرز التحديات التي واجهت النسوية في مجتمعاتنا ، فكرة تعارضها مع الدين والثقافة . لكن هذا التناقض في الحقيقة ليس حقيقيًا دائمًا ، بل ناتج عن قراءات أيديولوجية ضيقة ترى الدين عدوًا للحرية . أما العدالة النسوية المجتمعية ، فهي تتعامل مع الدين والثقافة كمصادر للمعنى يمكن فهمها من جديد بروح عادلة ومنفتحة . فالقيم الدينية ، حين تُفسّر بعدل وإنصاف ، يمكن أن تكون قوة إيجابية تساعد على التحرر الأخلاقي والاجتماعي .
وترى العدالة النسوية المجتمعية أن العلاقة بين المرأة والرجل تكاملًا وليست صراعا . والانشغال بثنائية “رجل ضد امرأة” يضعف الإصلاح الحقيقي . فالعدالة لا تنحاز إلى طرف ، وإنما تعمل ضد كل أشكال الظلم ، سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية . إنها تسعى إلى تحرير الإنسان من الضعف البنيوي عبر إصلاح العلاقة بين الدولة والمجتمع ، وبين القانون والعُرف ، وبين الثقافة والواقع .
وفي السودان ، يمكن للعدالة النسوية المجتمعية أن تشكّل أساسًا لمشروع وطني جديد يعيد بناء الوعي من الهامش إلى المركز . فهي ترفض النماذج المستوردة والممولة من الخارج ، لأنها لا تعبّر عن واقع النساء السودانيات ، وتدعو بدل ذلك إلى نموذج وطني تشاركي ينطلق من حياة النساء أنفسهن ، من معسكرات النزوح والأسواق والقرى التي تضررت من الحرب . التمكين في هذا المفهوم يعني القدرة على تغيير شروط الحياة نحو العدالة والكرامة لجميع البشر .
لذلك ، يمكن القول إن العدالة النسوية المجتمعية لا تكتفي بتعديل الخطاب لأنها رؤية إنسانية شاملة لبناء مجتمع عادل يحرر المرأة والمجتمع معًا . إنها عودة إلى جوهر الفكرة الإنسانية البسيطة : أن لا يكون التحرر على حساب أحد ، وأن العدالة تُقاس بما يُسترد من كرامة وحقوق للنساء في الهامش ، لا بما يُمنح للنخب من شعارات ومناصب سلطوية .
مها الهادي طبيق 15 اكتوبر 2025 [email protected]
|
|