أصدرت المحكمة الجنائية الدولية حكمها بحق علي كوشيب، الذي حمل رتبتي المساعد بشرطة الاحتياطي المركزي والمساعد معاش بالجيش السوداني، ما ارتكبه كوشيب لا يخرج عن إطار تنفيذ التعليمات الصادرة من قيادته العليا، نفس الذي مارسه الجيش في حربي الجنوب وجبال النوبة – عقيدة قتالية، كوشيب ليس فرداً معزولاً عن مؤسستي الجيش والشرطة، مثل كثيرين من الذين خدموا تحت سقف تعليمات وأوامر هيئة القيادة العليا الآمرة الناهية، على مر الحقب التي أعقبت تأسيس قوة دفاع السودان، تعتبر هذه الإدانة تجريم لمؤسسة الجيش، الذي لم يقدم غير الإبادة الجماعية والتطهير العرقي، فلا يجب أن يؤخذ الأمر وكأنه حالة فردية، لا، ما فعله كوشيب من فظائع جاء بترتيب وإشراف عبر التسلسل الهرمي من الضبّاط الأعلى رتبة، بمن فيهم الرئيس السابق عمر البشير القائد الأعلى للجيش، لقد ذكر المدان لأهله وعشيرته بصالون أحد رموز المجتمع، أن فريق التحقيق الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية عندما زار السودان، عرض عليه فيلم أظهر أحمد هرون خارج من الطائرة بوادي صالح وهو يسلّمه حزمة من الأسلحة، سأل المحققون كوشيب: هل الرجل الذي تسلّم الأسلحة من هرون هو أنت؟ رد كوشيب: نعم، فاستنكر أحد الحاضرين بالصالون هذا التصرف، ووجه سؤالاً لكوشيب: لم اعترفت بجرم كهذا؟، أجاب: إنّها الحقيقة، هل تريدني أن أكذب؟. لقد استغلت المؤسسة العسكرية السودانية بساطة البدو وصدقهم، وزجّت بهم في حرب لا نوق لهم فيها ولا جمال ولا أبقار، وعندما قالوا لا، حاربتهم وجرّدتهم من الهوية الوطنية وقذفت بهم إلى شتات الجوار الإفريقي، إنّ حكم المحكمة الجنائية الدولية يعتبر إنذار مبكر لقادة المشتركة ودرع السودان، بأن مصيرهم هو مصير كوشيب، لا يجب أن يلدغ أهل السودان من جحر الجيش أكثر من مرة، فلا يوجد سودانيون خبروا هذا الجيش مثلما خبره البدو، الذين درّبهم ورحّلهم إلى الجنوب فحارب بهم حركات التحرر منذ ما قبل استقلال السودان حتى استقلال جنوب السودان، لا يوجد (رجل) من الذين نسمعهم يعوون بالمنصات يتوعدون الناس بالويل والثبور وعظائم الأمور و(البل)، أن ارتدى "الكاكي" ثم وضع "البوريه" على رأسه ومشى مشية الأسد مزهواً بشرف الجندية، مثلما فعل الشباب القادم من بوادي السافانا والصحراء، إدانة علي كوشيب صدمة كهربائية ذات فولتية عالية ضربت كل من يظن أن هنالك جيش، فالحقيقة الراسخة رسوخ "جبل مرة" و"جبال النوبة"، أنّه لا وجود إلّا للجنرالات المجرمين، الذين تخرجوا في كلية الموت الزؤام (الكلية الحربية)، فأرسلوا الحمم البركانية إلى سكان البوادي، لقد جسدت حلقات محاكمة علي محمد علي عبد الرحمن على الهواء، أكبر إدانة للمذنب الأول ألا هو مؤسسة الجيش، ولا يجب أن تقرأ هذه المحاكمة التاريخية خارج حيز هذا السياق. أكد السيد رئيس المجلس الرئاسي في خطابه على أنهم قضوا تماماً على الجيش، وأن ما هو موجود الآن مجرّد فصائل متناثرة في جزر معزولة تلفظ أنفاسها الأخيرة، ويحمد للرب أن منح شرف القضاء على هذه الأسطورة الدموية، لأحفاد الجنود الذين خدموا في صفوفها سنين عددا وكان جزاؤهم جزاء سنمار، لقد حطّم الأشبال الأشاوس اسطورة الجيش الذي ذبّح المدنيين في الخرطوم والجنوب ودارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق، وداسوا على رؤوس كبار جنرالاته الذين جثوا على ركبهم، وأصدروا أصوات الحيوانات البرية والبحرية استنجاداً وطلباً للنجاة، فإغلاق ملف علي كوشيب هو إعلان لخلاص السودان من المؤسسة الكارثة، الموغلة في العنف والوحشية واستهداف العزّل، ودعوة للتأسيسيين لأن يؤسسوا جيشاً وطنياً ومهنياً يذود عن حوض الأرض وشرف العرض، وأن لا يماثل جيش الدولة القديمة الذي اغتصب النساء والرجال معاً، واعتدي على الكبار والصغار، ليس علينا أن ننظر للحكم الصادر من المحكمة الجنائية الدولية على أساس أنه أمر فردي، أو هم شخصي يخص علي كوشيب، بل الواجب الوطني يحتم علينا أن ننسب البعرة إلى البعير الذي خلّفها وراءه، وأن نلحق ذات البعير بالناقة (الجيش) التي لم تلد إلا فاجرا كفارا، مصاصة الدماء التي حوّلت السودان الى كومة من الجماجم والعظام والأشلاء، وأوردته موارد الهلاك.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة