أبعاد الصراع الروسي – الاوربي وتداعياته على العالم كتبه مها الهادي طبيق

أبعاد الصراع الروسي – الاوربي وتداعياته على العالم كتبه مها الهادي طبيق


09-22-2025, 06:36 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1758562566&rn=0


Post: #1
Title: أبعاد الصراع الروسي – الاوربي وتداعياته على العالم كتبه مها الهادي طبيق
Author: مها الهادي طبيق
Date: 09-22-2025, 06:36 PM

06:36 PM September, 22 2025

سودانيز اون لاين
مها الهادي طبيق-Sudan
مكتبتى
رابط مختصر





بقلم : مها طبيق

الخلاف بين روسيا و أوروبا بجانب أنه محصورًا في أوكرانيا أو على حدود الناتو الشرقية ، إلا انه أصبح محورًا أساسيًا لإعادة تشكيل النظام الدولي . فما بدأ كغزو روسي لأوكرانيا في فبراير 2022 ، تحول تدريجيًا إلى صراع واسع الأبعاد يمزج بين العسكري و الاقتصادي و الأيديولوجي والجيوسياسي .

فمن الناحية الأمنية ، تنظر روسيا إلى توسع الناتو شرقًا باعتباره تهديدًا وجوديًا ، بينما تعتبره أوروبا ضمانة لأمنها . هذا التباين قاد إلى تعزيز الحشود العسكرية على حدود بولندا و دول البلطيق ، وجعل البحر الأسود و بحر البلطيق ساحتين مفتوحتين للاختبار و الردع . ومع استمرار التوتر ، وجدت أوروبا نفسها في حالة استنزاف أمني و مالي ، إذ ارتفعت نفقاتها الدفاعية رغم الأزمات الاقتصادية التي تعاني منها إلي مستويات كبيرة .

أما على الصعيد الاقتصادي ، فقد أعاد الصراع رسم خريطة الطاقة العالمية . أوروبا قلّصت اعتمادها على الغاز الروسي لكنها دفعت ثمنًا باهظا في شكل ارتفاع أسعار الطاقة و زيادة التضخم . في المقابل ، وسّعت روسيا تجارتها مع الصين و الهند ، مما عزز محورًا اقتصاديًا شرقيًا مقابل الغرب . وبات الاعتماد على مورد واحد للطاقة أو الغذاء خطرًا استراتيجيًا ، وهو ما سرّع خطوات العالم نحو الطاقة المتجددة و تنويع سلاسل الإمداد .

وعلى المستوى الفكري ، أطلق الصراع موجة جديدة من الاستقطاب الأيديولوجي بين معسكرين متقابلين : الغرب الذي يتمسك بالديمقراطية الليبرالية ، و روسيا – الصين اللتان تروجان لنظام متعدد الأقطاب يقوم على سيادة وطنية بعيدة عن التدخل الغربي . هذا الاستقطاب خلق حرب سرديات تؤثر بوضوح على دول الجنوب العالمي ، التي تجد نفسها مضطرة للاختيار بين خطابين متناقضين .

انعكست هذه التطورات على العالم في عدة اتجاهات . فقد عادت أجواء الحرب الباردة لكن بصيغة جديدة متعددة الأقطاب تشمل أمريكا و أوروبا وروسيا و الصين و الهند . و تراجع دور المؤسسات الدولية مثل مجلس الأمن و الأمم المتحدة بعدما عجزت عن إدارة الأزمات أو فرض الحلول . كما تزايدت أزمات الغذاء و الطاقة ، مهددة حياة الملايين خصوصًا في إفريقيا و الشرق الأوسط . وإلى جانب ذلك تصاعد سباق التسلح النووي بفعل التهديدات الروسية ، ما قد يدفع دولًا أخرى إلى مراجعة خياراتها الاستراتيجية .

ومع أن السيناريوهات المستقبلية متعددة ، إلا أن إنهاء الصراع في المدى القريب يبدو مستبعدًا . فهناك احتمال استمرار حرب استنزاف طويلة تُبقي روسيا و أوروبا في حالة نزاع دائم ، أو الوصول إلى تسوية سياسية مؤقتة بضغط من قوى مثل الصين و تركيا لتجميد الوضع لا لحلّه جذريًا ، أو حتى تصعيد إقليمي قد يمتد إلى دول البلطيق أو مولدوفا و يفتح الباب لمواجهة مباشرة مع الناتو . وعلى المستوى الدولي ، يتجه العالم نحو نظام متعدد الأقطاب ، لكنه سيأتي بثمن باهظ من الفوضى و عدم الاستقرار .

الصراع الروسي – الأوروبي صار نزاع جيوسياسي ، ومعركة حول شكل النظام الدولي المقبل . أوروبا تسعى لضمان أمنها تحت مظلة الناتو ، بينما تحاول روسيا استعادة نفوذها التاريخي . وبين شدّ الطرفين ، يتحمل العالم كلفة عالية من أزمات اقتصادية و أمنية متتالية . المستقبل مرشح لظهور نظام دولي أكثر تنوعًا و تعددية ، لكنه سيكون أيضًا أكثر هشاشة و اضطرابًا .

مها الهادي طبيق
22 سبتمبر 2025

[email protected]