الدولة لا تُبنى على التشابه: تأمل في مغذيات الصراع وسبل تفكيكها كتبه د. الهادي عبدالله أبوضفائر

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 09-20-2025, 04:21 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
09-19-2025, 07:08 PM

د. الهادي عبدالله ادريس ابوضفائر
<aد. الهادي عبدالله ادريس ابوضفائر
تاريخ التسجيل: 09-05-2017
مجموع المشاركات: 81

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الدولة لا تُبنى على التشابه: تأمل في مغذيات الصراع وسبل تفكيكها كتبه د. الهادي عبدالله أبوضفائر

    07:08 PM September, 19 2025

    سودانيز اون لاين
    د. الهادي عبدالله ادريس ابوضفائر-UK
    مكتبتى
    رابط مختصر







    ظلّ مشروع بناء الدولة السودانية يتعثر بين الطموح الوطني والواقع الاجتماعي المركّب، وكأن هذا الكيان الكبير وواسع التنوع، لم يجد بعد الصيغة التي تؤطر تعدده في شكل وحدة سياسية راسخة. لقد ترك الاستعمار السودان على هيئة دولة حديثة في ظاهرها، لكنه في باطنه كان يحمل شروخاً اجتماعية وثقافية لم تُعالَج، بل جرى إنكارها أو التعامل معها من منطق الهيمنة المركزية، لا من منطق الاعتراف المتبادل.

    وما يجب التوقف عنده بعمق هو أننا، ومنذ فجر الاستقلال، لم ننجح في تأسيس خطاب جامع يعترف بالتعدد كسمة أصيلة، بل وقعنا ضحية لمشروع قسري يربط بين الدولة والتشابه، كأن على الجميع أن يشبهوا بعض ثقافياً، لغوياً، عرقياً، اثنياً، ودينياً حتى يكونوا جزءاً من الدولة. هذا النمط من التفكير، في جوهره، ليس مجرد إقصاء للآخر، بل هو تخليق مستمر لتغذية الانفصال. لأن الدولة التي لا تُدرِك كيفية التعايش مع الاختلاف، لن تنجح في توحيد شعوبها بالقوة أو بالتماثل القسري.

    منذ البداية، تم التعامل مع الهويات غير العربية وغير المسلمة كشوائب تحتاج إلى الذوبان في هوية المركز، وتمت صياغة المشروع الوطني على أساس تصورات ضيقة، أدّى إلى شعور قطاعات واسعة من الشعب بأنها خارج التعريف الرسمي للمواطنة. وفي ظل غياب مشروع ثقافي سياسي يعترف بالهويات المتعددة، تحوّل هذا الشعور بالتهميش إلى مطالب سياسية ثم إلى حركات مسلحة، كما حدث في الجنوب سابقاً، وفي دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق والشرق. لم يكن انفصال جنوب السودان مفاجئاً، بل نتيجة طبيعية لتراكم طويل من الشعور باللاانتماء. والمفارقة المؤلمة أن الخطاب الذي ساد بعد الانفصال، لم يكن خطاب مراجعة نقدية، بل خطاب شماتة، وكأن الذين ذهبوا، لم يكونوا يوماً جزءاً من هذا الوطن. وهذا بحد ذاته يكرّس منطق الطرد من المجال الوطني، ويعيد إنتاج الفكرة نفسها التي قادت إلى الانفصال. (هؤلاء لا يشبهونا) من لا يُشبهنا، لا ينتمي إلينا.

    قدرنا أننا لم نحسن أبداً إدارة خلافاتنا. والأدهى من ذلك أننا في أغلب الأحيان لم نملك حتى الرغبة في فهم جذوره. فالعقل المسيطر على الخطاب العام، يتعامل مع الأحداث بمنطق رد الفعل لا التحليل، يسارع إلى الاتهام قبل التفسير، ويستعجل النتائج دون أن يصبر على المقدمات. فكل صراع، بدلاً من أن يكون مدخلاً لحوار جديد حول الدولة، يتحول إلى تأكيد إضافي على أن الآخر خطر، وأن الحل يكمن في المزيد من الانغلاق. لا يمكن أن تُبنى الدولة في ظل هذا العقل، لأن كل مشروع وطني يحتاج إلى قدرة على التفكيك النقدي والتأمل في جذور الأزمة، لا إلى الانفعال اللحظي. فالصراعات التي نعيشها لا تعيش وحدها، بل تتغذى من بيئة حاضنة، ومن بنية ثقافية واقتصادية وسياسية تنتجها وتعيد إنتاجها.

    فمن مغذيات الصراع في السودان، استمرار المركزية المفرطة، حيث لا يزال المركز يبتلع كل شيء القرار، والثروة، والمشروعية. ولا تزال الأطراف، على اتساعها، تُدار كهوامش، لا كأقاليم شريكة. كما أن الإعلام نفسه ظل يعكس تصور المركز عن الوطن، لا الواقع المتعدد لهذا الوطن. فكم من السودانيين لا تُرى صورهم في الإعلام إلا في سياق الحرب والمجاعة؟ وكم من لهجات ولغات وتقاليد سودانية تُعامل كأنها دخيلة على الثقافة الوطنية؟ التمييز لم يكن فقط في الموارد، بل في الرمزية أيضاً. وهذا ما يجعل كثيرين يشعرون أن الوطن ملكية خاصة لمجموعة محددة، بينما البقية مجرد ضيوف مشروطين بحسن السلوك.

    كذلك الفقر، والبطالة، والتعليم المتدهور، وهي عوامل تحوّل الغضب المكتوم إلى انفجار. كما أن الخطاب الديني، في كثير من حالاته، لم يكن عامل تهدئة أو عقلنة، بل أحياناً كان معولاً من معاول الاستبعاد والتكفير، حين يرتبط الفهم الديني بنفي التعدد، واحتكار الحقيقة. كل هذه المغذيات تستمر في إنتاج بيئة لا تُنتج دولة، بل تُنتج دولة ضد نفسها. وهذا ما يفسر لماذا ظلت فكرة الانفصال كامنة في الذهن السوداني، لا كقرار جغرافي فقط، بل كحالة نفسية مجتمعية. فهناك انفصالات صامتة تجري يومياً في النفوس، وفي اللغة، وفي الثقافة، وفي الاقتصاد، دون أن يُعلن عنها أحد، لكنها تقرّب المسافات نحو التشظي.

    إن بناء الدولة يبدأ من نقطة واحدة، الاعتراف الصادق بأننا لسنا متشابهين، ولسنا مضطرين إلى التشابه. وأن ما يجمعنا يجب ألا يكون التطابق، بل الالتزام بمشروع وطني يحترم الجميع، ويضمن الحق في التعبير والمشاركة والمواطنة. فحين يُعامل التنوع كقيمة مضافة، لا كعبء، يبدأ الناس بالشعور بأن الدولة تخصهم، وأن مستقبلها يعنيهم. أما حين نستمر في القول. نحن لا نشبه بعضا، كتبرير للانفصال أو العنف أو التمييز، فإننا نكرّر الخطأ نفسه الذي ظل يعيد نفسه منذ الاستقلال. الرغبة في بناء دولة بوجدان واحد، في وطن تتعدد فيه الوجوه واللغات والرؤى. الدولة التي تقوم على إرادة الإقصاء لا تبقى. والدولة التي تحاول تحويل الجميع إلى نسخة واحدة، إنما تصنع نهايتها بأيديها. أما الدولة التي تعترف بكل أبنائها، كما هم، وتحسن إدماجهم دون أن تطلب منهم أن يتخلّوا عن هوياتهم، فهي الدولة التي يمكن أن تبقى، وتكبر، وتبني السلام.
    [email protected]























                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de