طموح الرباعية والوهم كتبه مها طبيق

طموح الرباعية والوهم كتبه مها طبيق


09-18-2025, 12:40 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1758195626&rn=0


Post: #1
Title: طموح الرباعية والوهم كتبه مها طبيق
Author: مها الهادي طبيق
Date: 09-18-2025, 12:40 PM

12:40 PM September, 18 2025

سودانيز اون لاين
مها الهادي طبيق-Sudan
مكتبتى
رابط مختصر




بيان الرباعية يمثل مبادرة طموحة لكنها تستند إلى أرض رخوة . فقد وحّد بين واشنطن والرياض وأبوظبي والقاهرة في توافق نادر بين قوى متناقضة ، ما وفر غطاءً سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا يصعب تجاوزه . كما حمل لمسة إنسانية بطرحه هدنة أولية تعترف بأن الأزمة السودانية تجاوزت صراع السلطة لتصبح كارثة تهدد حياة الملايين . وأعطى البيان أملًا بانتقال مدني محدد المدى خلال تسعة أشهر ، منهياً فكرة المراحل الانتقالية المفتوحة التي استنزفت البلاد . وأوضح موقفه من الإسلام السياسي باستبعاد الجماعات المرتبطة بالإخوان ، منسجمًا مع المزاج الإقليمي الرافض لارتباط هذه التيارات بالفوضى . وربط أيضًا بين وقف الحرب والالتزام بالقانون الإنساني الدولي ، مانحًا المبادرة بعدًا أخلاقيًا يصعب الطعن فيه علنًا .

لكن هذه القوة تقابلها نقاط ضعف جوهرية . فالمبادرة لم تقدّم آليات إلزامية تضمن التنفيذ ولا خطة رقابة أو عقوبات تردع المعرقلين ، مما يجعل أي هدنة مهددة بالانهيار السريع . واستبعاد الإسلاميين رغم مبرراته قد يزرع ألغامًا سياسية ويغذي شعورًا بالإقصاء ، فيدفع بعضهم نحو التمرد أو العمل في الظل . كما أن الطموح بانتقال شامل خلال تسعة أشهر يبدو أقرب إلى الوهم في ظل انهيار مؤسسات الدولة وفقدان الثقة وتفتت السلطة . يضاف إلى ذلك تضارب مصالح الدول الراعية نفسها ، فلكل منها حساباته الخاصة التي قد تجعل المبادرة رهينة توازنات إقليمية أكثر من كونها تعبيرًا عن مصلحة السودان . أما داخليًا ، فالفجوة بين الحكومة التي ترفض مساواتها بالدعم السريع ، وبين الأخير الذي يطالب بالاعتراف به كند مساوٍ ، قد تنسف المبادرة من بدايتها .

مستقبل هذه الخطوة مرهون بعدة سيناريوهات . قد تحقق نجاحًا جزئيًا عبر هدنة إنسانية مؤقتة وفتح ممرات إغاثية ، لكن من دون ضمان وقف نار دائم . وقد تلحق بمصير اتفاقات جدة وأديس أبابا إذا عجزت عن فرض التزامات واضحة . وربما تتحول إلى منصة تفاوض أوسع إذا توسعت لتشمل قوى مدنية حقيقية بدل الاكتفاء بواجهات سياسية محدودة .

أما على مستوى الأزمة السودانية ، فإن استمرار الحرب مع هدن متقطعة لن يؤدي إلا إلى تعميق الكارثة الإنسانية . وغياب توافق داخلي سيجعل أي مبادرة خارجية رهينة لمن يملك السلاح على الأرض . كما أن تعدد الوسطاء بين إيقاد والاتحاد الأفريقي والرباعية يزيد من تشتت المسارات ويستنزف القوى المدنية . وكل يوم يمر بلا تسوية يوسع الفجوة بين دولة يمكن إنقاذها وأرض تتفتت بلا مركز .

في النهاية ، يظل بيان الرباعية خطوة جريئة لكنه هشّ في جوهره . قوته في توافق رعاته الكبار ، وضعفه في غياب أدوات التنفيذ . ومصيره لا يتوقف على نوايا الرباعية وحدها ، وإنما على قدرة السودانيين أنفسهم في تحويل هذه النافذة إلى مشروع وطني حقيقي . وإلا فلن يكون أكثر من وثيقة أخرى تضاف إلى أرشيف الفشل الدولي في السودان .

مها الهادي طبيق
18 سبتمبر 2025
[email protected]