يقف السودان اليوم في قلب منطقة رمادية، لا حربه حُسمت ولا سلامه تحقق. فالصراع بين الجيش والدعم السريع لم يعد شأناً داخلياً بحتاً، بل تحوّل إلى معركة بالوكالة تُغذّيها تناقضات المناصرين الإقليميين وتقاطعات القوى الدولية. وبين حرب استنزاف طويلة وتسويات تُفرض بصفقات الضرورة، يبقى مستقبل الدولة السودانية معلقاً، بينما الشعب وحده يدفع أثمان الدم والجوع والتشريد. منذ اندلاع المواجهة بين الجيش وقوات الدعم السريع، تحوّل السودان من ساحة نزاع داخلي إلى عقدة جيوسياسية متشابكة، تتقاطع فيها مصالح إقليمية ودولية متناقضة. لم يعد الصراع مجرد تنافس على السلطة، بل أصبح اختباراً مفتوحاً لتوازن القوى في الإقليم، يضع مستقبل الدولة السودانية رهينة لإرادة اللاعبين الخارجيين بقدر ما يضعه رهينة للبنادق المحلية. الاستنزاف برعاية الخارج الدعم الخارجي المتدفق على الطرفين يعيد إنتاج منطق الحرب المفتوحة. الجيش يستند إلى دعم سياسي وعسكري من مناصرين إقليميين يرون فيه الضامن لبقاء الدولة المركزية. الدعم السريع بدوره يجد نفسه مدعوماً من قوى إقليمية أخرى تسعى لتثبيت نموذج القوة الموازية، بما يمنحها نفوذاً واسعاً على الأرض. بهذا المعنى، لا تُدار الحرب في السودان فقط من مراكز القيادة المحلية، بل من غرف إقليمية توازن بين الضغط والتمويل، وتحول النزاع إلى ساحة لتصفية الحسابات على حساب وحدة البلاد. التسويات كصفقات إقليمية حتى سيناريو التسوية الشاملة لا يمكن عزله عن معادلات الخارج. فالمبادرات الدولية والإقليمية للتهدئة تظل رهينة لتوافق المناصرين الإقليميين المتباينين. أي اتفاق سلام لن يولد من إرادة سودانية خالصة، بل من صفقة ترسم حدود النفوذ وتحدد مستقبل السلطة، وهو ما قد ينتج "سلاماً هشاً" محكوماً بموازين القوى أكثر من حكمه بإرادة بناء الدولة.
المعارك بالوكالة بات واضحاً أن الصراع لم يعد حكراً على أطرافه السودانية. فالمناصرون الإقليميون يتعاملون مع الحرب كجزء من منافساتهم على النفوذ الإقليمي، وهو ما يحوّل الجيش والدعم السريع إلى أدوات في معارك أوسع من حدود السودان. هذا التداخل يعمّق الاستقطاب ويطيل أمد النزاع، لأن كل طرف خارجي يسعى لتثبيت مصالحه عبر وكلاء محليين، حتى لو كان الثمن مزيداً من الانهيار الداخلي. لعبة المصالح المتقاطعة
تتشابك في السودان مصالح متناقضة:- هناك مناصرين إقليميين يفضلون بقاء مؤسسة عسكرية موحدة كحائط صد استراتيجي. وهناك آخرون يرون في بروز قوات موازية فرصة لإعادة تشكيل موازين النفوذ. وبين هذا وذاك، تتحرك قوى دولية كبرى بتركيز أكبر على الجانب الإنساني وضبط الفوضى، أكثر من انشغالها بإعادة بناء الدولة. هذا التناقض يجعل من السودان ساحة رمادية، حيث لا حسم عسكري ممكناً ولا تسوية سياسية خالصة، بل مزيج من الاستنزاف والصفقات المرحلية. السودان المعلّق ما يجري اليوم في السودان هو صراع داخلي بواجهة محلية، لكنه في جوهره انعكاس لسباق إقليمي على النفوذ. وكلما طالت الحرب، ترسّخ واقع "الدولة المعلقة" التي لا هي موحدة ولا هي مقسمة بشكل نهائي. وبين حرب استنزاف يطيلها المناصرون الإقليميون، وتسويات تُفرض بصفقات الضرورة، يبقى السودان عالقاً في المنطقة الرمادية، فيما يدفع شعبه الثمن الأكبر.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة