عجباً على هذه الدنيا البلهاء، كيف تحوّل الإعلام من منبر للوعي إلى مسرح يتسابق فيه أنصاف المتعلمين، ليتصدّروا المشهد كـ"ناطقين" باسم طرفي الحرب في السودان. لا رؤية لديهم، ولا وعي، ولا أخلاق مهنية؛ فقط ضجيج، وصراخ، وشعارات تُشعل النار ولا تُطفئها.
أيُّ عقلٍ يقبل أن تكون دماء الأبرياء موضوعاً للتندر أو مادةً لتسجيل النقاط السياسية؟ كيف يُترك الوطن الجريح رهينة ألسنة لا تعرف سوى التحريض والكراهية؟ من المؤسف أن يُدار صراع بهذا الحجم عبر أبواق إعلامية لا تفرّق بين الحقيقة والإشاعة، ولا بين المهنية والتهريج.
لقد أصبحت الشاشات منصات للتشويه، وليس للتنوير. من يفترض بهم أن يكونوا حماة للكلمة، تحولوا إلى تجار دماء، يسوّقون الوهم بلسانٍ أجوف، ويصنعون بطولة زائفة على حساب المقهورين. المواطن السوداني المسحوق بين أزيز الرصاص وانقطاع الخبز والكهرباء، لا يجد أمامه سوى هذه الوجوه التي تزيد أوجاعه، وتضع على جراحه الملح بدل البلسم.
إن أخطر ما يفعله هؤلاء أنهم يسرقون وعي الناس، فيحوّلون الحرب من مأساة يجب أن تُوقف، إلى مادة ترفيهية تُستهلك بين الأخبار الزائفة والمشاهد المفبركة. وهنا مكمن الكارثة: حين تُصبح عقول الناس ملعباً للبُلهاء.
الحرب ستنتهي يوماً، شاء من أشعلها أم أبى. لكن الوعي حين يُدمَّر، يحتاج أجيالاً كي يُبنى من جديد. لذلك، فإن معركتنا الكبرى ليست في ميادين القتال، بل في تحرير المنابر من أيدي الجهلة والمتاجرين، وإعادة الكلمة إلى مكانها الطبيعي: أداة للحق، وصوتاً للسلام.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة