منذ اندلاع الحرب المدمرة في السودان، تفاقمت الجرائم التي هزّت الضمير الإنساني: القتل الجماعي، النهب المنظم، والاغتصاب الذي استُخدم كسلاح حرب. هذه الأفعال لم تعد مجرد تجاوزات فردية، بل تحولت إلى سلوك ممنهج يسعى بعض الأطراف إلى تبريره أو الدفاع عنه في العلن والخفاء. وهنا يطرح سؤال جوهري: هل من يدافع عن مثل هذه الجرائم يمكن أن يكون سليماً عقلياً أو متوازناً إنسانياً؟.
يظهر المدافعون عن الجرائم في السودان بأشكال متعددة:
من يبرر القتل تحت شعار "الانتقام" أو "الضرورة العسكرية".
من يصور النهب كـ"حق" أو "غنيمة حرب".
من ينكر الاغتصاب أو يختزله في "حوادث فردية"، رغم الشهادات الموثقة.
هذا الدفاع لا يكشف فقط عن انعدام التعاطف مع الضحايا، بل يعكس انحطاطاً أخلاقياً قد يرقى إلى تواطؤ مع الجريمة نفسها.
علماء النفس والاجتماع يرون أن الدفاع عن العنف المفرط قد ينشأ من:
1. التطبيع مع الجريمة: حين يعتاد المجتمع أو الأفراد على رؤية العنف يومياً، يصبح غير مستغرب.
2. الانتماء الأعمى للجماعة: حيث يذوب العقل الفردي في خطاب قبلي أو سياسي، فيغدو الدفاع عن القاتل واجباً ولو كان مذنباً.
3. الانفصال عن القيم الإنسانية: بعض الأفراد يتعاملون مع الآخرين كـ"أعداء" أو "أدوات"، فينزعون عنهم صفة الإنسانية، ما يسهل تبرير الجرائم ضدهم.
من الناحية الطبية، قد لا يكون كل مدافع عن الجرائم "مريضاً نفسياً" بالمعنى الإكلينيكي، لكنه بالتأكيد يعاني من خلل أخلاقي خطير وانحراف في المعايير الإنسانية. فالعقل السوي لا يبرر اغتصاب امرأة، ولا يعتبر نهب ممتلكات المدنيين حقاً مشروعاً، ولا يرى في قتل الأبرياء عملاً بطولياً.
الدفاع عن الجرائم في السودان ليس موقفاً سياسياً عابراً، بل هو مؤشر على أزمة ضمير جماعية تهدد مستقبل المجتمع. فالمشكلة ليست فقط في من ارتكب الجريمة، بل أيضاً في من شرعنها أو لزم الصمت عنها. والسؤال الذي يجب أن يواجهه السودانيون اليوم: هل يمكن بناء وطن يتسع للجميع إذا أصبح الدفاع عن القتل والنهب والاغتصاب رأياً مقبولاً؟
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة