بسم الله الرحمن الرحيم من رسائل النور والظلام علي الكنزي [email protected]
عندما يكون نهج الصفوة سخرية وكذبًا… يتردى الوطن
(د . مرتضى الغالي مثالًا)
مقدمة
نبهني أحد الأصدقاء إلى مقال للدكتور مرتضى الغالي نُشر مؤخرًا، ردًا على مقال لي تم نشره في عدد من المواقع الإلكترونية، كان في الأصل تعقيبًا على مقال مولانا سيف الدولة حمدنا الله الذي عقد مقارنة بين الدكتور كامل إدريس والدكتور عبد الله حمدوك.
ويظهر جليًا أنني، رغم اختلافي مع مولانا سيف الدولة في جوهر المقارنة، احترمت شخصه وأشرت إلى تاريخه المعروف بمقالات جادة تتسم بالمنطق والتحليل الواقعي، ثم أوضحت أن مقاله الأخير جاء مخالفًا لنهجه المعتاد. أي أنني ناقشت الفكرة ولم أنتقص من صاحبها.
في المقابل، جاء رد الدكتور مرتضى الغالي خاليًا من هذا الاحترام، إذ بدأه بتجاهل اسمي والإشارة إليّ بـ"أحدهم"، ثم لجأ إلى التهكم والسخرية بدلاً من النقاش بالحجة. كما افترض أنني كتبت عن تفاصيل لم ترد في مقالي، وأرهق نفسه بالرد عليها، مثل حديثه عن الرواتب والبدلات وأثاث المكتب… وهي أمور لم أذكرها مطلقًا، لا تصريحًا ولا تلميحًا. وهذا هو الفارق بيننا: من جانبي التزمت بآداب الحوار ومناقشة الفكرة، بينما خرج هو عنها إلى التهكم والسخرية والرد على افتراضات خرجت من جعبة خياله لا من قلمي وكلمي..
"أحدهم".. انتقاص للكاتب وللموضوع
استوقفني أن الدكتور مرتضى افتتح مقاله بالقول: “كتب أحدهم”. والحقيقة أن مقالي موقع باسمي الكامل، وأنا لست مشهورًا في الوسط الصحفي، ولكنني أظن أنني لست مجهولًا حتى أُصبح "أحدهم". فقد كتبت بانتظام لسنوات طويلة في الصحف السودانية والمواقع الإلكترونية قبل أن أتوقف لفترة. والأغرب أن الدكتور مرتضى يعرفني معرفة شخصية 2003، حين شرفني هو ومعه نخبة من أصحاب القلم في الصحافة السودانية – أذكر منهم الدكتور البوني، الدكتورة بخيته أمين، الدكتور زهير السراج، الأستاذ عثمان ميرغني، الأستاذ عبدالله آدم خاطر، الأستاذ الصادق الرزيقي، ومن بينهم الدكتور مرتضى الغالي – إذ اصطحبني ذلك الوفد من الصحفيين السودانيين إلى جامعة الإمام المهدي بكوستي لتقديم منحة الوايبو للجامعة (35 جهاز كمبيوتر وعدد من الطابعات). وقد شرفني هذا الجمع الكريم بالمبيت في قريتي الشوال بمنزل العمدة عمر مصطفى حسن.
إن تجاهل اسمي ومحاولة تصويري كـ"أحدهم" ليس زلة قلم، بل أسلوب مقصود قصد به الانتقاص من شخص الكاتب. وهذا في جوهره انتقاص لشخص كامل إدريس أيضًا، حين يوحي المقال أن من يدافع عنه إنما هو قلم مجهول لا يعرفه أحد. بينما في المقابل، يدافع عن حمدوك كاتب معروف مثل الدكتور مرتضى الغالي، فيظهر الأمر وكأنه معركة غير متكافئة: حمدوك مسنود بأقلام لها وزنها، وكامل إدريس ليس وراءه إلا “أحدهم”. وهذه صورة مشوهة، لا علاقة لها بالواقع ولا بالمنطق.
دعم كامل إدريس… لوطنه السودان فهذه مقارنة أخرى
ما ذكرته أعلاه فرضه ظرف الرد على الدكتور مرتضى الغالي، ولكن منه نستشف مقارنة أخرى بين كامل إدريس وعبد الله حمدوك. فخلال فترة رئاسته للمنظمة العالمية للملكية الفكرية، قدّم كامل إدريس دعمًا متنوعًا لمؤسسات حكومية وأهلية، وعدد من الجامعات السودانية على رأسها جامعة الخرطوم، وجامعة الجزيرة، وجامعة الإمام المهدي بكوستي . بل وحتى على مستوى الأفراد، وباسم المنظمة، قُدمت منح دراسية لنيل درجة الماجستير لطلاب سودانيين في دول مثل الولايات المتحدة وإيطاليا ، كما مُنح آخرون دبلومات متخصصة في أكاديمية الوايبو بجنيف .
وهو أيضًا مؤسس محكمة الملكية الفكرية بالخرطوم (2) ، وقد أتاح لقضاتها فرص التدريب والدراسة في جنيف والقاهرة والمغرب. ومن حسن طالعي أنني مثلت المنظمة يوم افتتاح هذه المحكمة، وكان برفقتي الأخ والصديق الأستاذ عبدالله آدم خاطر.
وأذكر أنني كُلِّفت بزيارة جامعة الفاشر بالفاشر لدراسة العوامل المشتركة بينها وبين المنظمة لبحث سبل التعاون المستقبلي، وكان برفقتي الأستاذ عبدالله آدم خاطر. وقد استطاع كامل إدريس أن يقنع نظيره المدير العام لمنظمة الهجرة الدولية بتنفيذ برنامج مشترك لجامعة الفاشر تم الاتفاق عليه. لكن عند تنفيذ الزيارة لمدير منظمة الهجرة للسودان – والتي وافقت عليها الحكومة سلفًا – تراجعت الحكومة السودانية عن وعدها واعترضت على دخوله بعد وصوله الخرطوم، فتعثّر مشروع الشراكة وفشل.
لقد قدّم كامل إدريس الكثير من موقعه الأممي لصالح السودان وغيره من الدول النامية، بينما يبقى السؤال مطروحًا: هل قدّم عبد الله حمدوك شيئًا للسودان خلال فترة عمله كموظف أممي؟
جوهر المقارنة: المسار الأممي لا المواقف السياسية
مقالي السابق لم يكن دفاعًا سياسيًا عن كامل إدريس، بقدر ما كان مقارنة في المسار المهني الأممي بينه وبين عبد الله حمدوك، وهو الجانب الذي أغفله تمامًا مقال مولانا سيف الدولة حمدنا الله. فقد أوضحت أن كامل إدريس وصل إلى منصب المدير العام للمنظمة العالمية للملكية الفكرية بانتخاب مباشر من الدول الأعضاء (87 ثم 187 دولة)، بينما حمدوك تقلد منصبًا إداريًا متوسطًا في اللجنة الاقتصادية لإفريقيا بتعيين إداري.
كان حديثي عن الشرعية المؤسسية، وعن ثقل الانتخاب الدولي مقارنة بالتعيين الإداري. لكن الدكتور مرتضى تجاهل هذا الجوهر، وحوّل النقاش إلى ساحة سياسية محلية مرتبطة بالثورة والانقلاب وليته اكتفى بذلك ولكن خرب مقاله بالاستهزاء والسخرية..
ومن الغريب أن الدكتور مرتضى نحى منحىًً افتراضيًا حين صوّر للقارئ أنني عقدت مقارنة بين رواتب وبدلات الرجلين وأثاث مكتبيهما، وأوشكت أن أصف نوع السندوتشات التي يتناولانها في الإفطار! وهذا محض افتراء لا علاقة له بمقالي. فمقالي لم يتطرق مطلقًا إلى الرواتب ولا إلى تفاصيل المكاتب، وإنما ركّز حصراً على طبيعة التعيين الأممي، والمسار الوظيفي، والإنجازات المؤسسية. إن مثل هذه الإشارات لا تهدف إلا إلى تضليل القارئ وصرفه عن جوهر القضية.
حمدوك والثورة.. كامل والمنظمات الدولية
لا جدال أن حمدوك جاء في أعقاب ثورة شعبية، وأن تكليفه ارتبط بمناخ داخلي ودعم دولي للثورة. لكن ما أنجزه على الأرض هو محل نقاش واسع حتى بين مؤيديه.
أما كامل إدريس فقد كانت له إنجازات موضوعية في موقعه الأممي، منها رفع صوت الدول النامية في منظومة الملكية الفكرية حتى أصبحت شريكًا أساسيًا في إدارة المنظمة وبرامجها المستقبلية ، كما طوّر مفهوم الملكية الفكرية من مجرد حماية لأصحاب الحقوق أداة للتنمية المستدامة . كذلك نجح في مضاعفة عضوية المنظمة، وكسر احتكار الدول الغربية لقيادتها. هذه وقائع يمكن الرجوع إليها، ولا تحتاج إلى زخرف القول، أو سخرية.
لغة التهكم ليست حجة
وأشد إيلامًا ليس للنفس ولكن لهذا الوطن الذي أضاعه بنوه، أن يُكتب مقال كهذا وينسب لرجل في قامة الدكتور مرتضى الغالي، الذي لجأ إلى السخرية والتهكم وازدراء الغير بدلاً من الحجة: “كامل نرجس”، “ورود ذابلة”، “خطاب بلغة الزولو”... ووصفي بـ"أحدهم"، ظنًا أن تحقير الآخر والسخرية منه تضفي شرعية على من هو بالضفة الأخرى وترفع مقامه. مثل هذا الأسلوب قد يُضحك البعض، لكنه لا يقنع القارئ الجاد ولا يبني موقفًا.ولا يرفع من لغة الحوار واختلاف الرأي، ولا يعطي الحق لغيرك بأن تكون له وجهة نظر قد لا تتفق مع ما تحمله من رؤى وأفكار ونقد وتحليل. وهذا من معوقات ترسيخ القيم الديمقراطية في السودان. فإذا كان هذا هو حال طلائع الأمة، فما بالك بالعامة منها؟
خاتمة
إن الاختلاف في الرأي مشروع ومرحب به، لكن احترام القارئ يقتضي أن تكون الردود قائمة على الحجة لا على الانتقاص. وأنا أؤكد مرة أخرى أن مقالي لم يكن تمجيدًا شخصيًا ولا عداءً لأحد، بل كان محاولة لتوضيح الفوارق الجوهرية بين مسارين مختلفين: مسار أممي انتخابي قادته الشرعية الدولية، ومسار إداري متوسط اغفله مقال مولانا سيف الدولة .
فليكن الحوار في هذا المستوى، لا في دائرة التجاهل والتهكم.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
علي الكنزي
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست