ما دفعني إلى كتابة هذا المقال ليس مجرد الأخبار المتداولة، بل القلق العميق من أن الفخ يُعاد نصبه، وأن الخديعة تُغلف من جديد بورق الحوار. خلال الأسبوع الماضي، تسربت أنباء عن اعتقال الإرهابي المصباح، قائد كتيبة البراء، في القاهرة، وفي التوقيت ذاته ظهرت تسريبات عن لقاء يجمع عبد الفتاح البرهان بمسؤول أمريكي في محاولة لترتيب مفاوضات مع الفريق محمد حمدان دقلو. هذا التزامن لا يبدو بريئًا، بل يُشير إلى محاولة إعادة تدوير الأزمة وتقديمها في ثوب جديد يُغري بالتسوية ويُراهن على ضعف الذاكرة الجمعية. لكن الثورة السودانية ليست غفلة، ولا وعيًا هشًّا، إنها موقف أخلاقي متجذر لا يقبل المساومة ولا يُخدع بالمظهر حين يكون الجوهر ملوثاً. التعامل مع البرهان أو منحه مساحة للظهور كشريك محتمل ليس سوى سقوط في الخيانة وتزييف للحقائق وتواطؤ مع النسيان، فالبرهان لا يمثل أزمة سياسية بل مأزقاً أخلاقياً، انقلب على حكومة د. عبد الله حمدوك، مزّق الوثيقة الدستورية، وغدر بحلفائه في الدعم السريع، وتحالفه مع الكيزان والمرتزقة والإرهابيين يكشف عن مشروع لا يسعى إلى بناء وطن بل إلى نجاة شخصية على حساب الجميع، إنه نموذج للسلطة التي لا تؤمن إلا بالقوة ولا ترى في الدولة سوى غنيمة. أما المصباح، فاعتقاله لا يُمثّل نهاية لدوره بل بداية لمحاولة إعادة تدوير أدوات القمع تحت مسميات جديدة، وتوقيت الحدث وتزامنه مع الحديث عن الحوار يُشير إلى محاولة خبيثة لإعادة إنتاج الفخ وتقديم القتلة كأطراف سياسية في مشهد يُراد له أن يُربك الوعي ويُفرغ الثورة من معناها. في المقابل، يبرز مشروع التأسيس بقيادة الفريق محمد حمدان دقلو لا بوصفه رد فعل على الحرب بل كفلسفة سياسية تسعى إلى إعادة بناء الدولة على أسس العدالة والمواطنة والكرامة، إنه مشروع للمستقبل لا لتدوير الماضي، ومن هنا فإن أي حوار لا ينطلق من هذا التصور هو التفاف على الحقيقة ومحاولة لتزييف المسار. الحوار لا يُعقد مع من مزّق الوثيقة ولا مع من خان العهد بل مع من اختار أن يكون في صف الوطن لا في صف السلطة، ومن يظن أن التسوية مع البرهان ممكنة ينسى أن الثورة لا تُلدغ من الجحر مرتين. في هذه اللحظة لا نحتاج إلى ضجيج بل إلى وعي، فالمعركة ليست فقط في الميدان بل في اللغة وفي الفهم وفي القدرة على تسمية الأشياء بأسمائها، البرهان مشروع مضاد، والمصباح أداة، والتأسيس هو الأمل الذي يجب أن يُصان من كل محاولة إختراق أو التفاف. أيها السودانيون، بعد يقظة الوعي السياسي التي يعيشها شعبنا وإدراكه أن العقبة الأساسية أمام التحول الديمقراطي هي الانقلابات العسكرية وعبث الحركة الظلامية التي تسمي نفسها بالإسلامية، لا تسمحوا للجلاد أن يرتدي ثوب الضحية، ولا للثورة أن تختطف باسم الحوار، من يفاوض البرهان يفاوض على دمنا وقيمنا وأخلاقنا ومبادئنا التي جعلتنا نقف في صف قوات الدعم السريع منذ اللحظة الأولى لنشوب الحرب اللعينة، لأننا نعلم خباثات الكيزان وخساساتهم ودناءاتهم ومكرهم. لهذا نقولها بوضوح تام: فاوضوا الشيطان الرجيم، لا تفاوضوا مجرم الحرب البرهان، فالشيطان على الأقل لا يدّعي الفضيلة، أما البرهان فيُراوغ بها ليغدر من جديد. البرهان خائن وعميل، وكل داعميه إنتهازيون أقزام، لا طائل من الحوار معه أو معهم مجتمعين. لا جدوى من التفاوض مع من باع الوطن وخان الثورة وغدر بالرجل الصادق الأمين الفريق محمد حمدان دقلو.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة