النخب السودانية بين أوهام الذات وواقع الانكسار كتبه د. الهادي عبدالله أبوضفائر

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 08-27-2025, 06:49 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
08-09-2025, 03:06 PM

د. الهادي عبدالله ادريس ابوضفائر
<aد. الهادي عبدالله ادريس ابوضفائر
تاريخ التسجيل: 09-05-2017
مجموع المشاركات: 75

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
النخب السودانية بين أوهام الذات وواقع الانكسار كتبه د. الهادي عبدالله أبوضفائر

    03:06 PM August, 09 2025

    سودانيز اون لاين
    د. الهادي عبدالله ادريس ابوضفائر-UK
    مكتبتى
    رابط مختصر







    إن أخطر ما يفتك بالأوطان ليس رصاصةً تخترق صدر جندي، ولا دبابةً تجتاح شوارع المدن، بل فكرة مهزومة تستقر في عقول نخبها، فتشل إرادتها قبل أن تلامس يد العدو أسوارها. فخيانة الوطن لا تبدأ عند نزيف الدم في الساحات، بل تبدأ يوم يُفرَّغ الوطن من روحه، وحين يُترك وعيه الجمعي في تيهٍ بلا بوصلة، ويُسلَّم إلى سباتٍ طويل يلتهم أحلامه جيلاً بعد جيل. وحين تعجز النخبة عن صياغة تصور جامع لمعنى الوطن، أو تفشل في ابتكار خطاب أخلاقي قادر على ضبط السلطة والمعارضة معاً في إطار من المسؤولية المشتركة، فإنها لا تقف على عتبات المعبد كشاهدة صامتة على انهياره، بل تصبح وإن بغير قصد شريكاً في دفع جدرانه للسقوط. إنها لحظة يتساوى فيها الصمت مع الفعل، ويصبح الإهمال نوعاً من الخيانة، لأن الخراب لا يحتاج دائماً إلى من يبنيه، بل يكفيه أن يغيب من كان يجب أن يمنعه.

    في هذا الواقع الموجع، تبدو النخب السودانية في كثير من اللحظات المفصلية كضحايا لأوهامها وضيق أفقها، كمن يسير في صحراء مترامية وهو يظن أن السراب ماء. تتحول الأيدي التي وُجدت لتبني الوطن إلى أذرع تهدم جسوره، والأفكار التي وُلدت لتنهض به إلى سلاسلٍ تقيده وتثقل خطاه. منذ لحظة الاستقلال عام 1956، لم ينجح السودان في صناعة مشروع وطني جامع. تباينت الرؤى بين أحزاب طائفية شدّها الولاء للزعيم أكثر من ولائها للوطن، وحركات عقائدية أعلت من شأن أيديولوجياتها فوق مقتضيات الواقع، ونخب مدنية تبنّت شعارات الحداثة والديمقراطية لكنها فشلت في الترجمة المؤسسية لهذه القيم. والنتيجة كانت سلسلة من الانقلابات العسكرية، كل واحد منها يعد بالخلاص، ثم ينتهي إلى إعادة إنتاج الأزمة نفسها.

    رأينا ذلك في ثورة أكتوبر 1964، حين التفّت القوى السياسية على منجزات الشارع، ودخلت في صراع محاصصة مبكر أنهك التجربة الديمقراطية، فمهد الطريق لانقلاب مايو. وتكرر المشهد في انتفاضة أبريل 1985، حيث أطاحت الجماهير بجعفر نميري، لكن النخب انشغلت بتقاسم السلطة على حساب إصلاح الدولة، فاستغل الجيش الانقسام ليعود في ثوب جديد. أما ثورة ديسمبر 2018، فكانت ذروة التعبير الشعبي عن التوق للتغيير، إذ تجاوزت الانتماءات الضيقة وحشدت السودانيين من الخرطوم إلى أقاصي دارفور والشرق والجنوب. لكن ما أن سقط رأس النظام حتى بدأ نزيف الانقسام، وانشغلت قوى الحرية والتغيير في صراعاتها الداخلية، حتى تآكلت أولويات الثورة وتبددت ملامح مشروعها، فعجزت عن رسم خارطة طريق متماسكة لإعادة بناء الدولة، الأمر الذي فتح فراغاً خطيراً في قلب المرحلة الانتقالية، فاستغلته قوى متربصة بالتحول الديمقراطي للانقضاض على السلطة، لتنزلق البلاد إلى أتون واحدة من أكثر الحروب دموية وتعقيداً في تاريخها الحديث.

    المؤلم أن القوى التي تنهش في جسد الوطن ليست دائماً غريبة عنه، كثيراً ما خرجت من صلبه، تحمل ملامحه وتتكلم لغته، لكنها تعيش على اتساع هوة الشك بين أبنائه، وتستمد قوتها من هشاشة البنية الاجتماعية، ومن ضعف مؤسسات الدولة التي تركتها النخب بلا حماية أو إصلاح. ومع ذلك، يبقى هناك خيط عناد مضيء، يربط القلوب المؤمنة بأن الفجر، مهما طال ليله، قادم لا محالة. هو إيمان الفقراء في القرى النائية الذين يزرعون الأرض رغم ويلات الحروب، وإصرار الأطباء الشباب الذين يفتحون عيادات ميدانية وسط المعارك، وصمود الناشطين الذين يصرون على توثيق الجرائم رغم التهديد. هؤلاء لا يحملون ألقاباً سياسية رنانة، لكنهم أكثر إخلاصاً لفكرة الوطن من كثير من نخبته.

    إن السودان لن ينهض إلا إذا تحررت نخبه من أوهامها، وواجهت الحقيقة المرة. أن بناء الدولة ليس معركة شعارات، بل عمل شاق يبدأ من الاعتراف بعمق الجرح، وبأن السلطة بلا مشروع وطني جامع ليست سوى طريق جديد إلى هاوية قديمة. لقد آن الأوان أن نخرج من حلقة التناوب بين الحلم المجهض والانكسار المكرر. السودان ليس خرائط تُلوَّن على الورق، بل هو إرادة ناسه، وذاكرة شهدائه، وصبر أمهاته، وعرق فلاحه وجلد عمّاله. إن النخب التي تظن أن بوسعها إدارة الوطن بعقلية الغنيمة، والجماهير التي تنتظر الخلاص من دون أن تتقدم خطواتٍ في ميادين العمل، كلاهما يشارك بوعي أو بغير وعي في إطالة عمر الأزمة.

    أقولها بوضوح: لا خلاص من دون مشروع وطني جامع يضع العدالة فوق الولاء، والمواطنة قبل الانتماء، والمؤسسات قبل الأشخاص. على النخب أن تكف عن ارتداء أقنعة الثورة وهي تبيع صمتها في سوق المساومات، وأن تنزل من أبراج الخطابة إلى ورش العمل، حيث تُبنى الدول بالحوار الجاد، والتشريع العادل، والتنفيذ المنضبط.
    وعلى الجماهير أن تتجاوز دور المتفرج أو المصفق، لتصبح شريكاً في الرقابة والمساءلة، لأن الديمقراطية لا تُمنح، بل تُنتزع وتُصان كل يوم. إن الفجر الذي ننتظره لن يأتي من رحم اتفاقيات تُكتب في غرف مغلقة، ولا من بيانات تُذاع على شاشات التلفاز، بل من وعي جماعي يتشكل حين ندرك جميعاً أن الوطن أمانة، وأن الهزيمة الحقيقية ليست أن يسقط نظام، بل أن يسقط الأمل في بناء ما بعده.

    [email protected]























                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de