في كل زاوية من زوايا هذا العالم المضطرب يطلّ علينا الظلم كجمرٍ مشتعل يحرق النفوس ويفسد القلوب تاركا أثرا لا يُمحى في حياة الأفراد ووجدان المجتمعات ولا يقتصر ضرره على من وقع عليه الظلم مباشرة بل تتسع دوائره لتصيب المجتمع بأسره ناشرة اليأس ومهددة وحدة الصف ومقوّضة أسس الاستقرار ومع تعدد وجوه الظلم من قمع سياسيّ وتهميش اجتماعي إلى اضطهاد عرقي وتمييز اقتصادي فإن أقسى صوره تتجلى بوضوح في مشاهد الحرب حيث يغدو المدنيون الأبرياء وقودًا لصراعات لا ناقة لهم فيها ولا جمل السودان بلدٌ يرزح تحت وطأة الفوضي وعدم الاستقرار السياسي والحروب المتواصلة والظلم والغبن فمنذ اندلاع الحرب في السودان اصبحت البلاد تعيش في أسوأ المراحل في تاريخها المعاصر لم تكن الحرب مجرد نزاعٍ على السلطة أو تنافس على النفوذ بل كانت وما تزال طعنة نازفة في قلب الإنسان السوداني فهي حرب اختزلت معاناة الملايين في قصص فقدٍ وتشريدٍ وألم قصص لا تحتاج إلى أرقام بل إلى ضمائر حية تعلي قيمة الانسان وتحفظ كرامته وعزته وامنه واستقراره كم من طفل فقد أبويه في غارة جوية عبر مسيرة او طائرة او قذيفة وكم من امرأة تهدمت أحلامها مع بيتها وكم من رجل خسر عمله ومصدر رزقه كل هؤلاء ليسوا أرقامًا في تقرير او مقال صحفي بل شظايا من مرآة مجتمعٍ كان يومًا ما مفعمًا بالحياة والامل والآن يئنّ تحت ركام الذكريات والأوجاع الاليمة سوف تظل الجراح الفردية غائرة في القلوب ولها أثر نفسي وجسدي ممتد علي طول مدي عمر المظلوم لان الظلم يترك على الأفراد ندوبًا عميقة تتجاوز الجراح الجسدية إلى الاضطرابات النفسية المستديمة مثل الخوف المزمن والقلق والاكتئاب، واضطراب ما بعد الصدمة أصبحت واقعًا يوميًّا لآلاف السودانيين، خاصة أولئك الذين فقدوا منازلهم أو نزحوا إلى المجهول ومع تفاقم الأزمة زادت معدلات الفقر والبطالة بشكل مقلق ودخل الكثيرون في دوامة الإحباط وفقدان الأمل اضافة الي خطر تمزق مجتمعي وبنية منهارة، أما على مستوى المجتمع، فقد أفرز الظلم تفككًا اجتماعيًا متسارعًا إذ ساهمت الحرب في إذكاء نار الكراهية بين المكونات المختلفة وعمقت الانقسامات المناطقية والعرقية، ما ينذر بخطر التشرذم والانهيار كما تعطلت المدارس والمراكز الصحية وتوقفت عجلة التنمية وتحوّلت البنى التحتية إلى أطلال مما صعّب أي أملٍ بإعادة الإعمار في ظل غياب الاستقرار، وتظل الصرخة المدوية هي نداء للعدالة قبل فوات الأوان الوضع في السودان اليوم ليس مجرد أزمة محلية نتجة للظلم الممنهج ضد السودان وشعبه بل رسالة مدوية وصرخة عالية للعالم أجمع إن الظلم لا يلد إلا مزيدًا من المعاناة والانهيار ومن دون عدالة حقيقية، وسلام شامل، لا يمكن لأي مجتمع أن ينهض من ركام الدمار إن ما يحدث في السودان ليس مجرد فصل في كتاب التاريخ بل صفحة دامية تُكتب الآن بأحبار الألم والدماء والدموع فهل آن للعالم أن يستفيق؟ وهل نستطيع نحن أبناء هذا الكوكب، أن نُدرك أن السلم والعدل هما القاعدة التي تُبنى عليها الأوطان لا القنابل والمدافع؟ربما لا نملك إجابة فورية ولكن المؤكد أن السكوت عن الظلم هو شراكة ضمنية في الجرائم وأن الوقوف إلى جانب المظلوم هو أول الطريق نحو الإصلاح. تم الإرسال من هاتف Huawei الخاص بي
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
عبدالرحمن محمد فضل
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست