لماذا يحتاج السودان الي مبادئ فوق دستورية؟ كتبه عبد العزيز التوم

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 08-27-2025, 09:05 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
07-26-2025, 11:08 PM

عبد العزيز التوم ابراهيم
<aعبد العزيز التوم ابراهيم
تاريخ التسجيل: 12-09-2013
مجموع المشاركات: 81

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
لماذا يحتاج السودان الي مبادئ فوق دستورية؟ كتبه عبد العزيز التوم

    11:08 PM July, 26 2025

    سودانيز اون لاين
    عبد العزيز التوم ابراهيم-Sudan
    مكتبتى
    رابط مختصر




    عبد العزيز التوم / المحامي
    بصرف النظر عمّن يتبنى فكرة المبادئ فوق الدستورية، تظل هذه المبادئ سؤالًا مركزيًا في محاولات السودانيين للخروج من المعضلة السياسية المتطاولة ومساعي التأسيس لدولة جديدة. فقد تعرض هذا المفهوم لتجهيل وتسطيح متعمدين من قبل أصحاب الأجندات والمصالح المرتبطة ببنية الدولة الاستعمارية الموروثة. لجأ بعضهم إلى الإنكار والتشويه المقصود لهذه المبادئ الراسخة في تاريخ الأمم والنظم الدستورية الحديثة، بحجج تتعلق بعدم وجودها أو عدم مشروعيتها. بينما يقع الفريق الآخر في جهل حقيقي بمكانتها في الفكر الدستوري والسياسي المقارن. وهكذا وقعت المبادئ فوق الدستورية بين فَكًي التجهيل المتعمد والجهالة الحقيقية.
    تتمتع المبادئ فوق الدستورية بأساس راسخ في الفكر الدستوري والدراسات السياسية الحديثة، وإن اختلفت تسمياتها مثل: المبادئ العليا، المبادئ المؤسسة، القواعد الحاكمة للدستور، أو أسس المشروع الوطني. وهي قواعد تُصاغ لمعالجة قضايا كبرى ومصيرية تتعلق بوحدة الأمة وتماسكها، وحقوق ومصالح جميع مكونات الشعب، كما تُخاطب مخاوفهم المتبادلة وعلاقتهم بالكيان السياسي الذي يعيشون تحت سلطته. ولذلك، تتمتع هذه القواعد بحصانة استثنائية ضد التعديل، تتفوق على حصانة القواعد الدستورية الأخرى.
    ورغم الجدل الفقهي حول طبيعة هذه المبادئ وشرعيتها، فإن هذا النقاش لا يقل أهمية عن الجدل الذي أحاط بفكرة القانون الدولي نفسه، والذي أنكر بعض الفقهاء صفته القانونية لافتقاده عنصر الجزاء. وعلى هذا الأساس، جادل بعض فقهاء القانون بعدم شرعية المبادئ فوق الدستورية بحجة أنها تصادر حق الأجيال المستقبلية في التعديل والتطوير، وكونها مخالفة للمبدأ الديمقراطي القائم على المساواة في تقرير المصير السياسي. ومع ذلك، فإن أهمية هذه المبادئ تظل جوهرية في النظم الدستورية، خصوصًا حين تتضمن المبادئ العالمية المتعلقة بالشرعة الدولية لحقوق الإنسان. إذ لا يُعد النظام الدستوري شرعيًا أو محترمًا ما لم يتضمن إعلانًا واضحًا للحقوق والحريات الأساسية، لأن هذه الحقوق تسبق الدولة نفسها، بل إن الدولة جاءت لضمانها. لذلك، يعتبر بعض الفقهاء أن إعلانات حقوق الإنسان تحتل مرتبة عليا في البنية القانونية للدولة. إلا أن هذه الإعلانات، في بعض الأنظمة كالنظام الأمريكي، تظل مساوية للدستور من حيث القوة القانونية. أما الشكل الاخر من المبادئ فوق الدستورية فهي تلك التي تُشتق من خصوصية كل دولة، وفقًا لتجربتها الاجتماعية والسياسية والثقافية، وتُصاغ لمعالجة الاختلالات التاريخية وبناء الثقة بين المواطنين، وتمنع عودة الاستبداد والانتهاكات. وتضع ضمانات دستورية ومؤسسية لحماية الحقوق والحريات، ولضمان حياد الدولة تجاه التنوع والاختلاف.
    وقد لجأت العديد من الدول إلى تبني هذه المبادئ في دساتيرها، مثل:
    فرنسا: نصّت المادة 89 من دستور الجمهورية الخامسة على تحصين الطابع الجمهوري للدولة ووحدة التراب الوطني من أي تعديل.
    الولايات المتحدة الأمريكية: نصت المادة الخامسة من الدستور على عدم جواز تعديل بعض البنود دون موافقة الولايات المعنية، لحماية النظام الفيدرالي.
    ألمانيا: يمنع الدستور الألماني تعديل المبادئ الأساسية، ويمنح المواطنين حق المقاومة ضد أي محاولة للمساس بالنظام الديمقراطي.
    تركيا: منح الدستور حصانة مطلقة لهوية الدولة كجمهورية ديمقراطية علمانية اجتماعية، تقوم على سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان، ومنع تعديل هذه المبادئ أو حتى اقتراح تعديلها.
    أما في السودان، فبعد الخروج من حقبة الاستعمار الأجنبي، ظل سؤال العيش المشترك حاضرًا في كل الحوارات الوطنية. غير أن المحاولات الأولى لصياغة عقد اجتماعي جديد فشلت، مما أدى إلى مآسٍ إنسانية جسيمة، عندما سيطرت أقلية نخبوية وعرقية على الدولة، مستخدمة أدوات العنف والقهر لإدارة التنوع العرقي والثقافي، واتبعت سياسات عنصرية فجّة ساهمت في تفكيك النسيج الاجتماعي. وقد لجأت الدولة إلى أقسى وسائل القهر، من تطهير عرقي، وتهجير قسري، وإبادة جماعية، خصوصًا في جنوب السودان، وجبال النوبة، ودارفور، والنيل الأزرق. ولم تكتفِ بذلك، بل استخدمت وسائل القهر الثقافي، من خلال فرض نموذج ثقافي وحيد يقوم على طمس التنوع، وتذويب الاختلاف فيما يُعرف بسياسات "الانصهار.
    لقد مثّلت الحرب الراهنة في السودان، بما خلّفته من دمارٍ واسع في البنية الاجتماعية والاقتصادية، وخسائر بشرية فادحة، ونزوح ولجوء بمعدلات غير مسبوقة، وتهشيم شبه كامل لمؤسسات الدولة، ذروة الفشل البنيوي في مشروع الدولة السودانية ما بعد الاستعمار. فهي لم تكن مجرّد نتيجة لصراعٍ سياسي عابر، بل كانت تتويجًا لتراكم تاريخي من الإقصاء، وغياب عقد اجتماعي حقيقي، وتغييبٍ منهجي لإرادة الشعوب السودانية المختلفة في تحديد مصيرها المشترك. لقد كشفت هذه الحرب عن عمق الأزمة التأسيسية للدولة، وعجزها عن إدارة التنوع بطريقة عادلة ومستقرة..
    في هذا السياق، يصبح الحديث عن الانتقال الديمقراطي وبناء دولة مستقرة دون أسس دستورية جديدة، ضربًا من الوهم. فالتجارب المقارنة لدول ما بعد النزاع، مثل جنوب إفريقيا، وتونس، وكولومبيا، تُظهر أن الخروج من الحلقات المفرغة من العنف والانقسامات لا يتم إلا من خلال توافق وطني واسع حول مبادئ فوق دستورية تشكّل سقفًا جامعًا لا يمكن المساس به، وتكون بمثابة المرجعية العليا للدولة والمجتمع..
    في جنوب إفريقيا، لم يكن إنهاء نظام الفصل العنصري ممكنًا دون اتفاق تاريخي على مبادئ فوق دستورية ضمنت المساواة والعدالة ومنعت عودة الاستبداد. وفي تونس، أصرّت القوى الديمقراطية بعد الثورة على تضمين ضمانات دستورية صلبة في دستور 2014، تُحصّن الانتقال. أما في كولومبيا، فتم ربط اتفاق السلام بمبادئ فوق دستورية تُرسّخ العدالة الانتقالية وتمنع عودة الحرب الأهلية..
    وبالمثل، فإن السودان لا يمكنه تجاوز محنته دون إعادة بناء الدولة على أسس جديدة، تستند إلى مبادئ فوق دستورية تضمن الحقوق، وتجرّم التمييز، وتفرض حياد الدولة تجاه التعدد، وتمنع عودة الاستبداد، أيًا كانت أدواته أو شعاراته. فهذه المبادئ ليست انتقاصًا من حقوق الأجيال، بل تمكين لها من الانطلاق من أرضية صلبة، لا من رماد التجارب الفاشلة.
    إن غياب هذه المبادئ في التجارب الدستورية السودانية السابقة هو ما أتاح إعادة إنتاج الشمولية، وأجهض محاولات الانتقال، وفتح المجال للانقلابات والهيمنة الأحادية. أما اليوم، ورغم قسوة المشهد، فإن الفرصة لا تزال سانحة لصياغة تعاقد تأسيسي جديد، ترتكز فيه الدولة على مرجعية دستورية عليا، تمثل الضمانة الوحيدة لبناء دولة ديمقراطية عادلة، تقوم على احترام الحقوق والمساواة بين جميع السودانيين دون استثناء..
    إن النقاش حول المبادئ فوق الدستورية في السودان ليس نقاشًا أكاديميًا مجردًا، بل هو امتداد لصراع تاريخي حول مشروعية الدولة، وهوية الحكم، وحدود السلطة، وعلاقة المواطن بالدولة. فالتجربة السودانية، التي تكررت فيها الانقلابات، وتكرست فيها مظالم تاريخية على أسس عرقية وثقافية، لا يمكن معالجتها عبر مجرد نص دستوري قابل للتعديل أو الإلغاء في أول منعطف سياسي. ما تحتاجه البلاد هو إرادة تأسيسية واعية تُقرّ بوجود مظالم بنيوية، وتضع مبادئ عليا تشكل سقفًا جامعًا لا يمكن تجاوزه، وتُترجم في نصوص محصنة تمثل الضمانة الأخلاقية والدستورية لمستقبل أكثر عدلاً وتعددًا.
إن إرساء مبادئ فوق دستورية في مشروع تأسيس الدولة السودانية الجديدة يجب أن يُنظر إليه كشرطٍ أساسيٍ لتحقيق السلم الاجتماعي، وضمان الحقوق، وبناء دولة القانون والمواطنة المتساوية. فهي ليست مصادرة لحق الأجيال القادمة، بل تمكين لها من أن تبدأ من أرضية صلبة، لا من رماد الفشل المتكرر. وعلى القوى الوطنية أن تدرك أن التوافق حول هذه المبادئ هو الخطوة الأولى نحو عقد اجتماعي جديد يؤسس لحكم ديمقراطي مستقر، يقوم على العدالة، والمساواة، واحترام التنوع، ويمنع عودة الاستبداد مهما تغيّرت الأشكال والمسميات.
























                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de