ما يسمى بـ”صمود” – وهي تسمية رومانسية لطيفة لتحالف لا يعترف بالحكومة الشرعية، ويتهكّم عليها بوصفها “حكومة بورتسودان” – أصدر بيانا غاضبا يشكو فيه من أن هذه الحكومة نفسها لم تجدّد لأعضائه جوازات السفر!
طيب يا جماعة الخير، ما دمتم تعترفون بحكومة “موازية” في نيروبي، ولديكم مشروع بديل للدولة، فلماذا لا تصدروا جوازات “صمودية”؟ أو على الأقل تمنحونا تأشيرة دخول لجمهورية اللااعتراف؟ خلونا نجرّب نسافر بيها من مطار جوبا ونشوف!
في مشهد لا يخلو من الكوميديا السوداء، يندد بيان “صمود” بمنع أعضائه من تجديد الجوازات، ويتهم الحكومة بـ”السلوك الإجرامي” و”التمييز الإثني”، بل يذهب حد وصف السفارات بأنها “تحت سيطرة عصابة”. لكنه يغفل عن أهم سؤال: كيف تستنكر جماعة لا تعترف بالحكومة أساسا، أن ترفض هذه الحكومة تقديم خدماتها لها؟!
“صمود”، وهي آخر نسخة وراثية من سلالة “قحت” و”تقدّم”، تعاني اليوم من نفور شعبي عارم، ليس فقط بسبب عزلتها عن الشارع، بل لأنها وضعت نفسها مبكرا في حضن مليشيا الدعم السريع، صامتة عن مجازر الخرطوم والجزيرة وسنار ودارفور، بل داعمة لها سياسيا، متعامية عن جرائم التطهير العرقي، ومساهمة في تبييض صورة مليشيا ترتبط جهارا بالخارج.
صار من المعتاد أن تجد رموز “صمود” يوقعون بيانات سياسية مشتركة مع الجنجويد الجدد، ثم يخرجون بأعصاب باردة يتغنون بـ”ثورة ديسمبر المجيدة”، وكأن الدماء التي سالت في الجنينة ونيالا وود مدني كانت قرابين على مذبح الديمقراطية!
اللافت في بيان “صمود” ليس فقط التناقض، بل الانفصام: تساوي بين الحكومة والمليشيا، تهاجم هذه وتغض الطرف عن تلك، ثم تطلب من الأولى خدمات سيادية، وهي تعلم أن الثانية لا تملك غير الخراب والبيانات.
لقد ورثت “صمود” من سابقتها “قحت” المرض المزمن في التقدير السياسي: من شراكة الهوان مع حميدتي، إلى صمت مطبق عن جرائم مليشيا الدعم السريع، ثم وهم حكومة نيروبي “الموازية”، التي لم تنجز سوى البيانات الإنشائية والتصريحات المتضخمة.
فإذا كانت لديكم حكومة بديلة، فلتصدر جوازاتها الخاصة، أو على الأقل تصدّر لنا شيئًا غير بيانات الشكوى! لماذا لا تتوجهون بطلباتكم إلى القائد الرفيق حميدتي، الذي لا تفترون عن الدفاع عنه في كل منبر؟ أم أن نضالكم اختُزلت في استمارة تجديد جواز من حكومة لا تعترفون بها؟
بيان “صمود” الأخير ليس سوى مشهد عبثي في مسرحية سياسية باهتة، تعكس الانفصال التام عن الواقع، وسقوطا أخلاقيا ومهنيا لا تخطئه العين. ويبقى السؤال معلقًا: أما آن لكم أن تختشوا؟!
24/07/2025
للاطلاع على مزيد من مقالات الكاتب سلسلة (أمواج ناعمة):
رد على مقال "صمود تبكي على الجواز.. (الاختشوا ماتوا)"
تحياتي يا دكتور ولك كل الاحترام
رغم أنك خصم سياسي واضح التوجه، وربما ترى نفسك مدافعًا عن "شرعية" ما، فإننا نحترم لك حقك في التعبير، ونعلم أن السجال السياسي ليس مكانًا للشتائم أو التهكمات الفارغة. لكن دعنا نذكّرك بشيء بسيط: من أبسط حقوق الإنسان أن يمتلك أوراقًا ثبوتية تُثبت شخصيته وتسهل حركته، أيا كان انتماؤه السياسي. هذه ليست منّة من حكومة، ولا امتيازًا يُمنح ويُسحب حسب الرغبة بل واجب قانوني على الدولة تجاه كل مواطنيها، ما لم يسقط عنهم القانون حق المواطنة نفسه. نعم، نحن ننتقد الحكومة، ونختلف معها جذريًا، ونرفض شرعيتها السياسية والأخلاقية، لكن ذلك لا يلغي أننا مواطنون سودانيون، ولدينا ما يثبت ذلك من شهادات ميلاد وأرقام وطنية وجوازات سفر – وثائق لم تُمنح لنا بالولاء بل بالاستحقاق. إذا كنتم تحملون وثائق دولة السودان، فليس عيبًا علينا أن نحمل مثلها، لكن العار الحقيقي هو حين تتحول مؤسسات الدولة إلى أدوات تصفية سياسية، يُمنح فيها الجواز على أساس "الطاعة"، ويُمنع من يُخالفكم الرأي أو الموقف من أبسط حقوقه. ثم إننا لا "نبكي" كما كتبت – بل نطالب بحقوقنا بأدب ووضوح. فأنتم من تسكتون عن مجازر وتجويع وتشريد، وتطالبون الناس بالصمت والانضباط في مواجهة انتهاك القانون والدستور. أما سؤالك الساخر: "لماذا لا تصدرون جوازًا صموديًا؟" فنرد عليه بهدوء: لأننا لسنا دولة، ولا نطمح لأن نكون إلا في دولة واحدة عادلة، تحترم كل مواطنيها بلا تمييز. لكنكم أنتم من تتعاملون بمنطق "من ليس معي فهو ليس سودانيًا". نعم، ننتقد الدولة، ونقاوم الانقلاب، ونرفض الحكم العسكري والميليشيوي، لكننا في النهاية أبناء هذا الوطن، ولسنا ضيوفًا عليه. ولسنا نحن من باع سيادة البلد، ولا من جعل المؤسسات رهينة لأجندات خارجية. وأخيرًا، لا نطلب جواز سفر صدقة، بل نطالب بحق قانوني وأخلاقي وإنساني، يجب أن يكون فوق الخلافات والانقسامات. أما "الاختشوا"، فهم أولئك الذين يرون المواطن عدوًا إذا اختلف معهم، ويحرمونه من حقه في التنقل والمعيشة، ثم يسخرون من ألمه.
والسلام على من احترم الحق ولو خالفه في الموقف.
07-24-2025, 02:28 PM
Omer Abdalla Omer Omer Abdalla Omer
تاريخ التسجيل: 03-02-2004
مجموع المشاركات: 4256
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
د. ياسر محجوب الحسين
زهير ابو الزهراء
Omer Abdalla Omer
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست