تشهد الساحة السودانية تزايدًا في الجهود الإقليمية والدولية لإنهاء الحرب المدمرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع ، وهي حرب دخلت عامها الثاني وسط انهيار شبه كامل لمؤسسات الدولة وتدهور إنساني كبير . في هذا السياق تظهر الولايات المتحدة الأميركية كطرف رئيسي يعمل ، بالتنسيق مع دول مثل مصر والإمارات والسعودية ، وربما قطر وبريطانيا، على التوصل إلى تسوية سياسية توقف الحرب وتمنع السودان من التحول إلى بؤرة للفوضى والانقسام .
الاجتماع المرتقب للرباعية الدولية يمثل نقطة تحول في جهود إحلال السلام . واشنطن التي بدأت مؤخرًا في إعادة ترتيب أولوياتها تجاه السودان بعد فترة من التردد ، تسعى من خلال هذا اللقاء إلى طرح خارطة طريق جديدة تتجاوز فشل المحاولات السابقة وتعتمد نهجًا أكثر واقعية يأخذ في الاعتبار تعقيدات الوضع السوداني التي تتشابك فيه المصالح الإقليمية .
لكن الاجتماع لم يخلُ من محاولات العرقلة خصوصًا من قيادة الجيش السوداني ، التي طالبت بالمشاركة فيه . غير أن واشنطن رفضت هذا الطلب معتبرة أن اللقاء يهدف إلى تنسيق الجهود بين الدول الداعمة للسلام وليس للتفاوض بين أطراف النزاع . هذا الرفض يعكس رغبة أميركية في تجاوز الابتزاز السياسي الذي تمارسه المؤسسة العسكرية ، والتي درجت على إفشال أي مبادرة لا تتماشى مع رؤيتها الأحادية للحل .
فشل المفاوضات السابقة في جدة والبحرين وجنيف ، يكشف نمطًا متكررًا من العرقلة تقوده قيادة الجيش بتحالف فعلي مع التيار الإسلامي الذي يسعى للعودة إلى الساحة من خلال الجيش. ففي أكثر من مناسبة قام الجيش بإفشال التفاوض عبر الانسحاب ، أو بطرح شروط تعجيزية أو بدعم حملات إعلامية تضعف الثقة بين الأطراف . الدور المعلن والغير المعلن للإسلاميين في اتخاذ القرار العسكري يمثل عائقًا حقيقيًا أمام أي عملية سلام . فهم يرون في استمرار الحرب فرصة لاستعادة نفوذهم الذي فقدوه بعد سقوط نظام البشير ويخشون من أن تؤدي أي مرحلة انتقالية إلى حكم مدني يُقصيهم ويعيد هيكلة الجيش .
رغم أن الإمارات والسعودية يبدوان مؤيدتين للموقف الأميركي ، إلا أن لكل منهما حساباته الخاصة في السودان . فالإمارات تحتفظ بعلاقات قوية مع قوات الدعم السريع ، وتحرص على ترسيخ نفوذها في غرب السودان وساحل البحر الأحمر . أما السعودية فتتبنى نهجًا أكثر حذرًا يهدف إلى الحفاظ على استقرار المنطقة دون الانغماس في الصراع الداخلي .
أما مصر ، فترى الأزمة السودانية من زاوية أمنها القومي . لذلك فإنها تميل إلى دعم الجيش السوداني ، ولكن بشكل حذر دون تورط عميق ، خشية الانجرار إلى حرب يصعب حسمها، في الوقت ذاته ، تسعى القاهرة إلى الحفاظ على دورها في الملف السوداني وتفادي تغلغل أطراف مثل تركيا وإثيوبيا أو روسيا .
إذا فشل اجتماع الرباعية ، فإن واشنطن لم تعد تملك رفاهية التردد . الخيار الوحيد أمامها هو الانتقال من دور الوسيط إلى الفاعل الضاغط ، عبر استخدام أدواتها السياسية والاقتصادية والدبلوماسية . يتوقع أن تلجأ أميركا إلى فرض عقوبات ذكية على معرقلي السلام ، وتكثف ضغوطها على شركائها الإقليميين لدعم انتقال مدني واضح . وقد تسعى أيضًا لاستصدار قرار من مجلس الأمن لوقف إطلاق النار ، تدعمه رقابة دولية ، وتوسيع التعاون مع الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة لإعداد ترتيبات انتقالية تتجاوز سلطة الجيش والهدف بجانب إيقاف القتال هو إعادة السودان إلى مسار الحكم المدني وإبعاده عن سلطة السلاح .
التحرك الأميركي الجديد يحمل فرصًا حقيقية لتغيير مسار السودان ، لكن نجاحه مرهون بمدى استعداد واشنطن لفرض الحل بدلًا من التفاوض على تفاصيله. فقد أثبتت التجارب أن القوى المتصارعة، وعلى رأسها الجيش المتحالف مع الإسلاميين، لا تستجيب إلا تحت ضغط قوي ومباشر . وإذا لم تعتمد الولايات المتحدة هذا النهج ، فإن السودان سيستمر في الانزلاق نحو التفكك ، وسيضطر المجتمع الدولي للتعامل مع دولة فاشلة في قلب إفريقيا ، لا تهدد نفسها فقط ، بل تهدد أيضًا استقرار المنطقة بأكملها .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة