قواعد القانون ليست جزراً معزولة، بل هي تعمل ك وضمن شبكة متكاملة من القواعد، ولذلك فإننا عندما نقرأ مقدمة سن أي قانون من قبل سلطة التشريع، سنجد أنها تبدأ بجمل تؤكد الإطلاع على عدة قوانين أخرى؛ فنجد مثلاً: (بعد الإطلاع على الدستور وبعد الاطلاع على القانون المدني، وبعد الاطلاع على قانون كذا). ولكي يحدث اتصال وعزل في نفس الوقت بين هذه القواعد ضمن الشبكة فإن هناك ما يشبه الخلايا الدبقية المحيطة بالعصبونات، والتي يرتكز عملها على المنطق، ولذلك يقال بأن المنطق زائد العدل يساوي قانون، والمنطق القانوني يتشكل ضمن عدة أعمال قد يقوم بها فلاسفة القانون وفقهاؤه وقضاته ومحاميوه وبرلمانيوه، متأثرين بالواقع الإنساني الاجتماعي والثقافي والاقتصادي والسياسي والأمني..الخ. وهنا يكمن فرق هام بين الخبرة (التي تكتسب عبر العمل) والملكة التي تكون موهبة قارة في الذات، فيمكن للخبرة أن تسترجع لنا إجابات سابقة لعلاج مشكلة ما راهنة، أما الملكة فهي أن نعطي نحن الإجابات الراهنة عبر فهمنا للتفاعلات داخل شبكة القانون. ولذلك فإن الفيلسوف الفرنسي مونتسيكيو -وهو من أكبر فلاسفة القانون- لم يعمل طويلاً في مهنة المحاماة بل كرس حياته للدراسة والكتابة فأنجز مؤلفه "روح القوانين" والذي أثر في الدستور الأمريكي، بل كان تأثيره التنويري عظيم الشأن في ذلك العصر وحتى اليوم. فمونتسيكيو لديه ملكة القانون، أي فهم منهج عمل شبكة المنظومة القانونية. أما الخبرة فلها فضل كبير جداً في فهم حركة القواعد الإجرائية لتلك الشبكة. غير أن الخبرة يمكن أن ترتبك عندما تنتقل من نظام إلى نظام آخر، وباختصار فإن الملكة القانونية تعمل في الجانب الموضوعي (المرن) أكثر من الإجرائي، أما الخبرة فتعمل في الجانب الإجرائي أكثر من الموضوعي اي ما هو صارم لضبط وضمان انضباط عمل النظام. فإطار الخبرة هو الثابت اما إطار الملكة فهو المتغير. وهما ككل يتكاملان لتحقيق الغاية الأساسية وهي العدالة او من المفترض أن تكون غايتهما النهائية هي العدالة.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة