نشط في الفترة الأخيرة النقاش حول مستقبل السودان بعد تصريحات الإدارة الأمريكية حول بدء مشاورات سياسية تمهيدا لإنطلاق مفاوضات جديدة لوقف الحرب في السودان. ومع هذة المستجدات السياسية كثرت التصريحات واللقاءات لقيادات سياسية علي مواقع التواصل الإجتماعي و القنوات الإعلامية.
من ناحية أخري اثار صدور الرؤية السياسية لصمود الكثير من الإنتقادات حول فاعليتها السياسية في ظل جو مشبع برائحة البارود، و إصرارها علي استخدام ادوات اثبتت فشلها علي مدي اكثر من عامين. وكانت إجابة بعض قيادات صمود أنه حتي وإن لم تفلح رؤيتنا في إنهاء الحرب وكانت النتيجة أن يتم التفاهم مع حملة السلاح لعمل تسوية سياسية فإننا سنواصل النضال المدني حتي تحقيق أهداف الثورة.
وعلي الجانب الآخر إنزوت قيادات الحركة الإسلامية كالعادة لتُصّدر أبواقها الإعلامية من صحفيين وناشطين لنشر الشائعات و الإرهاصات لتعقد المشهد تمهيدا لإفشال أي تسوية سياسية مرتقبة.
في ظل هذا المشهد سيكون السودان أمام مستقبل مظلم ومواصلة للصراع السياسي اللا محدود الذي تسبب في إفشال كل المحاولات الديمقراطية في البلاد.
علمتنا التجارب أن التركيز علي الصراع السياسي علي حساب الدولة يؤدي الي الديكتاتوريات او الشمولية، وهذا واضح من التاريخ الحديث للسودان حيث لم تصمد أي تعددية سياسية لأكثر من أربعة سنوات وإنتهت كلها بإنقلابات عسكرية. لا لن العسكر يتربصون بالديموقراطيات وحسب، بل لفشل هذة الأحزاب في إقناع الشعب بأنها قادرة علي جلب الرفاة والإستقرار. حيث عجت كل الفترات المدنية بالصراعات التي اقعدت الدولة وفشلت في إدارة الدولة مما ادي الي تردي في الخدمات التي تمس المواطن. هذا الفشل الذي تستخدمة المعارضة الغير واعية بأهمية الإستقرار لتحشيد الشعب و الجيش ضد الحكومة لينتهي الأمر الي المقولة المشهورة " والله الديمقراطية دي لو شالها كلب مابنقول ليهو جر"
إذا كانت صمود او الجذريين او الإسلاميين يتشدقون بقدرتهم علي تحشييد الشارع و إستخدام الأدوات السياسية ضد أعدائهم لتحقيق نظرتهم الإقصائية، فليعلموا أن الآخرين أيضا يستطيعون ذلك. لذلك سيستمر الفشل السياسي إلى أن تأتي نخبة جديدة تعي معني التعدد السياسي و الإجتماعي وتؤمن بالدولة الحديثة ككيان محايد يفصل بينهم و بين الناس لينتقل الصراع السياسي الي ميدان الفكر وخدمة الشعب قبل الإنتصار للذات.
في ظل هذا الصراع سيكون للإسلاميين اليد العليا لا لأنهم أفضل سياسيا ولكن لأنهم يستخدمون كل أدوات القمع و العنف ولا يمانعون من الشمولية او الديكتاتورية مادام أنها تخدم مصالحهم. بينما في الجانب الآخر تقف الكتلة الديمقراطية مكتفة بالعمل السياسي المدني و الديمقراطية الذي يقيدهم في ظل صراع سياسي من غير حدود أخلاقية.
هنا اذكر البدعة التي أقرها والي ولاية الخرطوم في الفترة الإنتقالية أيمن نمر، الذي إستخدم الحاويات كوسيلة لمنع المظاهرات الشعبية المتزايدة و التي قصمت ظهر الفترة الإنتقالية. حيث اتحد الشيوعي مع الإسلامي في تحالف غير معلن ضد الحرية و التغيير في ذلك الوقت. ولو شاء للحكومة المدنية آن ذاك الإستمرار لولغت رويدا رويدا في الأساليب البوليسية للتعامل مع الفوضي السياسية التي اقعدت الدولة. لا لإنها تؤمن بها ولكن لانها الوسيلة الأسرع و الأفضل للإسقرار في ظل إنسداد الأفق التصالحي.
وعليه، في ظل إنسداد الأفق السياسي الحالي سيتمر الصراع السياسي الصفري الذي لا محالة سيقوي القوات الأمنية والقبضة الحديدة شيئا فشيئا لينتهي بنا الحال الي تحكم العسكر او حملة السلاح في المشهد السياسي.
ختاما: قد تفلح الولايات المتحدة الأمريكية في ظل إدارة دونالد ترامب في الوصول الي تسوية سياسية، ولكن يظل إستقرار البلاد مرتبط بقيادة سياسية رشيدة تسعي للوصول الي إسقرار سياسي بإستصحاب أكبر كتلة ممكنة من كل الاطياف السياسية لقطع الطريق أمام المتشددين و المتطرفين من كل الأطراف و إضعافهم لخلق فرصة حقيقة لبداية بناء الدولة بعيدا عن التشدق بالشعارات و الإتهامات الجُزافية التي لا تجلب إلا مزيدا من الإستقطاب المجتمعي و السياسي.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة