بورتسودان المدينة التي تخنقها الحرب بين مطرقة الطائرات المسيّرة وسندان الانقسامات الداخلية... هل تنقذها تسوية سياسية؟ لم تعد بورتسودان «ملاذًا آمنًا» على ساحل البحر الأحمر. المدينة التي احتضنت حكومة الجيش السوداني منذ سقوط الخرطوم في يد قوات الدعم السريع، صارت هدفًا مباشرًا لهجمات مكثفة بطائرات مسيرة في تصعيد عسكري ينذر بتحويلها إلى ساحة حاسمة في الصراع الدموي الذي يمزق السودان منذ أكثر من عام. حرب الطائرات المسيّرة... وكسر العمود الفقري للاقتصاد قوات الدعم السريع تحولت، منذ أوائل 2025، إلى استخدام تكتيكات الطائرات المسيّرة المتطورة (يُشتبه في وصولها عبر دعم إماراتي أو صيني). \ الهجمات الأخيرة أصابت المطار المدني والقاعدة العسكرية ومحطات الكهرباء ومستودعات الوقود وحتى ميناء بورتسودان الحيوي، الذي يمر عبره 80% من التجارة السودانية. الهدف واضح: شل العمود الفقري الاقتصادي واللوجستي للجيش، وإظهار هشاشة سلطته في الساحل. في المقابل، يعاني الجيش من فجوة تكنولوجية كبيرة، معتمداً على مضادات طيران قديمة لا تجاري الطائرات المسيرة الحديثة. صراع بالوكالة وتدويل الأزمة الحرب في بورتسودان لم تعد سودانية خالصة.
الدعم السريع يتلقى طائرات مسيرة عبر مسارات تهريب في ليبيا وتشاد، بدعم إقليمي مباشر. الجيش بدوره حصل على مسيرات ومعدات إيرانية وكورية شمالية، ما حول النزاع إلى ساحة حرب بالوكالة بين قوى متنافسة. هذا التدويل يهدد بإطالة أمد الصراع، وتحويل السودان إلى ساحة صراع إقليمي معقد.
الداخل المتشظي... انقسامات وصراع نفوذ رغم هيمنة الجيش على بورتسودان، لا تعني سيطرته وحدة معسكره.
هناك توترات بين الجيش والميليشيات المتحالفة معه مثل «القوة المشتركة لحركات دارفور»، و«درع السودان»، و«كتائب الإسلاميين»، الذين يتنافسون على النفوذ والموارد.
تقارير سابقة عن محاولات تخريبية مشبوهة داخل المدينة، تشير إلى احتمال تنسيق بين أطراف داخلية وخارجية لإرباك الجيش.
هذه الانقسامات تخلق بيئة مواتية لانشقاقات في المدى المتوسط، حتى لو لم يكن هناك مؤشر على انهيار وشيك للتحالف العسكري الحاكم.
هل يلوح شبح انقلاب جديد؟ السودان بلد الانقلابات التاريخية (17 محاولة أو انقلاب ناجح منذ الاستقلال).
التوترات في قيادة الجيش.
الوضع الاقتصادي الكارثي (تضخم يتجاوز 100%، وانهيار العملة).
السخط الشعبي المتزايد. كلها عوامل ترفع احتمال انقلاب داخلي، وإن لم يكن وشيكًا في الأمد القصير. التقديرات الأكثر واقعية ترجح إمكانية حدوث انشقاق أو انقلاب على المدى المتوسط إذا فشلت القيادة الحالية في احتواء الأزمة. المآلات المحتملة: حرب استنزاف أم تسوية؟ السيناريو الأرجح في الأفق المنظور هو الاستنزاف الطويل- استمرار الهجمات الجوية. شلل الميناء. تفاقم خطر المجاعة الجماعية (25 مليون يعانون انعدام الأمن الغذائي). تحول الصراع إلى «حرب وجود» بين الجيش والدعم السريع. لكن هناك سيناريو آخر مطروح، رغم ضعف فرصه حاليًا: التسوية السياسية. من يناصر خيار التسوية في بورتسودان؟ رغم الأجواء العسكرية المتوترة، تظهر أصوات واضحة في بورتسودان وخارجها تدعو إلى حل سياسي تفاوضي، وتشكل «التيار المدني المناصر للتسوية» الذي يضم: قوى الحرية والتغيير – المجلس المركزي، التي نقلت بعض قياداتها إلى بورتسودان وتطالب بوقف الحرب واستعادة المسار الديمقراطي. قوى سياسية أخرى مثل الحزب الجمهوري وتجمع الاتحاديين، الذين يحذرون من تقسيم البلاد. قيادات أهلية وطرق صوفية في شرق السودان، قلقة من عسكرة الإقليم وتدويل الموانئ.
منظمات مجتمع مدني محلية ودولية تدفع باتجاه هدنة إنسانية عاجلة، معتبرة أن بورتسودان قد تتحول إلى غزة أخرى على البحر الأحمر إذا لم يُوقف القتال. حتى بعض مسؤولي الحكومة الحالية يحاولون – ولو خجلاً – ترويج مبادرات اتصال غير معلنة مع وسطاء إقليميين، لكن دون ضمانات واضحة أو جدية كافية لكسر جمود الجبهات.
بورتسودان على صفيح ساخن في نهاية المطاف، بورتسودان ليست مجرد مدينة ساحلية استراتيجية، بل «مفتاح السودان» الاقتصادي وآخر معاقل الدولة المركزية. الحرب عليها تعني خنق البلاد اقتصاديًا، وربما فتح الباب لانهيار شامل أو تقسيم فعلي. ما لم يتم التوصل إلى تسوية سياسية حقيقية تنهي الحرب وتعيد بناء الدولة المدنية، فإن المدينة مرشحة لتكون عنوانًا مأساويًا لصراع طويل الأمد، وتذكيرًا صارخًا بأن الأوطان لا تبنى بالمسيّرات ولا بالانقلابات بل بالسياسة والاتفاقات الصعبة والضرورية.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة