مقال الأفول قانون الأشياء ونهاية الحركة الإسلامية السودانية
د. أحمد التجاني سيد أحمد
١. قانون الأشياء: حين لا تستطيع القوة أن تتوقف
يتدحرج الحجر من قمة الجبل، يقفز فوق الصخور، يزيح الرمال، وتتطاير نقاط الماء من عنفوانه… لكنه لا يستطيع التوقف. قد تتفاوت سرعته، وتتغير حركته، لكنه في النهاية يسكن هامدًا في القاع. هذا هو قانون الأشياء - أي قوة لا تعرف متى تتوقف، تتكسر تحت وطأة اندفاعها. . وأي فكرة ترفض المراجعة، تنهار تحت ثقل أوهامها. الحركة الإسلامية السودانية بلغت هذه اللحظة: انطلقت من "دعوة"، ثم تحولت إلى "تنظيم"، ثم إلى "سلطة"، ثم إلى "مافيا". واليوم، تتآكل ذاتها، وتمزق جسدها... بسكاكين أبنائها.
٢. .من الدعوة إلى التمكين إلى الفناء
مرت الحركة بثلاثة أعمار: **عمر الدعوة والوعظ: في المساجد، والجامعات، والمعاهد. **عمر التمكين والاستحواذ: حين اخترقت مؤسسات الدولة، وجيّرتها باسم *"المشروع الحضاري. **عمر التآكل والانقضاض الداخلي: حين طفت الخلافات، وتسابق الأجنحة على السلطة، بلا مشروع ولا مرجعية.
في هذه المرحلة الأخيرة، لم تعد الحركة "دعوة" أو "تنظيمًا"، بل تحولت إلى جهاز أمني متشظٍ، يقاتل نفسه أكثر مما يواجه خصومه.
٣. صراع الهلاك: بين الأسد والجاموس… وبين الكيزان أنفسهم
قال لي حُرّاس الصيد في محمية الدندر: "يشتبك الأسد مع الجاموس، قتال شرس، ينتهي بفناء الاثنين. لا فوز، لا حكمة، لا نجاة."
هكذا هم الكيزان اليوم: فصائل من ذات الجسد، يحمل كلٌ منها فناء الآخر: - **الصحفي الكوز محمد طه محمد أحمد: رسموا قبره بجمجمته، ثم زيّنوه بالآيات… يُجمّلون الوحشية بالتقوى، ويخفون الجريمة بالنصوص. - **نائب البشير الزبير محمد صالح: أصابه الطيب سيخة بطلقة في الرأس، ثم سقطت طائرته، وخرج القاتل وبعضهم سالمين… وسموها "قضاء وقدر". .** د. مجذوب الخليفة: فُجرت سيارته بمن معه، بلا تحقيق، بلا ملام. -** اللواء جمال محمد حسنين (زمقانً) نايب المدير العام لهيئة التصنيع الحربي و ضابط رفيع في امن الحركة الاسلامية: بُعثرت جثته برصاص كثيف، ثم أقاموا له سرادقًا يُحتفى فيه بـ"شجاعته". - **الترابي وتلميذه البشير: تصارعا على الزعامة، ثم انهارا معًا… وابتلعتهما الذاكرة مثل نكتة ثقيلة.
أصبح الكيزان يأكلون أبناءهم ثم يبكون عليهم، ينحرون رفاقهم ثم يُصلّون عليهم — فصل كامل من السلوك المرضي باسم الله.
٤. نبوءة الأستاذ محمود محمد طه: النهاية الحتمية
قال الأستاذ محمود محمد طه: "هذه حركة تقاتل وتقتل لتفوز، لكنها لا تدري أن فوزها سيكون بداية نهايتها." وقد شبّهتُ انا ذلك في مقالات سابقةً بعراك "الأسد والثور البري": كلٌ يفتك بالآخر، لكن لا أحد يخرج حيًا. لقد صدق المفكر الجليل: لن تنتهي الحركة بخصومة الخارج، بل بالانفجار من الداخل — كما تنفجر الأفكار المتكلسة حين يضيق عليها الزمن. واليوم تتنازعها الأجنحة: من بقي في بورتسودان، من هرب إلى تركيا، من تسلل إلى تحالف العسكر، ومن يحلم بعودة الإنقاذ تحت مسمى "التوافق". لا شيء يجمعهم سوى الحطام.
٥. حفّارو قبورهم: قتلوا بشهية لا تعرف الشبع
لقد قتلوا بلا رحمة: - قتلوا الصحفي إن كتب، - والقيادي إن اختلف، - والمجاهد إن تعب، - والطفل إن بكى، - والمرأة إن خافت على شرفها.
في 2 أبريل 1998، في معسكر العيلفون شرق الخرطوم، حاول عشرات المجندين الصغار الهرب للاحتفال بالعيد. قُتل بعضهم برصاص الحراسة، وغرق آخرون في النيل، ودُفنوا جماعيًا. حين نُبشت المقبرة بعد أكثر من عشرين عامًا، لم تكن نهاية القصة… بل بداية الشهادة على جريمة لا تموت. واليوم، تتكرر الأفعال… لكن بلا قناع: يُذبح الأطفال، تُبقر البطون، تُغتصب الفتيات والنساء والغلمان والرجال.
لقد خرجت شهوة السقوط عن السيطرة.
5. الخاتمة: هذا هو قاع الجبل
الكيزان وأتباعهم يتدحرجون من شاهق، يرمون بعضهم البعض، يهشمون الرؤوس، ويدوسون فوق جماجم ضحاياهم. لقد بلغوا القاع. لم يُسقطهم خصم، بل أسقطوا أنفسهم… بنفس القسوة التي حكموا بها الناس. هذه ليست نهاية "مشروع"، بل نهاية وَهْم. وهذا هو قانون الأشياء — لا رحمة فيه، ولا استثناء.
المراجع . مجزرة معسكر العيلفون (2 أبريل 1998)١ https://www.skynewsarabia.com/middle-east/1353090 تصفيات داخلية داخل التنظيم الإسلاموي: شهادات صحفيين، وتسريبات أمنية، ووقائع موثقة حول اغتيالات الزبير محمد صالح، مجذوب الخليفة، محمد طه محمد أحمد، وغيرهم. رؤية الأستاذ محمود محمد طه: راجع كتابه "الثورة الثقافية"، ورسائله حول الإسلام السياسي، لا سيما "الدعوة إلى مراجعة الحركات الإسلاموية"
نواصل د. أحمد التجاني سيد أحمد عضو تحالف تأسيس ١٤ يوليو٢٠٢٥ هلسنكي فنلندا
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة