لا يمكن الحديث عن أزمة السودان المستمرة دون التوقف عند السؤال الجوهري: من نحن؟ ما هي الهوية السودانية التي يُفترض أن توحد كل هذه الأطياف؟ إن غياب رؤية جامعة لهوية وطنية هو أصل الأزمات، وليس مجرد نتيجة لها.
يتميّز السودان بتنوعه الكبير عرقيًا وثقافيًا ودينيًا. لكن بدلًا من أن يكون هذا التنوع مصدرًا للقوة، تحوّل – بفعل السياسات الإقصائية – إلى صراعات دائمة. تم فرض هوية مركزية ضيقة على شعب واسع الاختلاف، فشعر كثيرون بأنهم غرباء في وطنهم، فبدأت موجات التمرّد والانفصال.
أزمة النخب قبل أن تكون أزمة شعب النخب السياسية في السودان – من الحكومات إلى الحركات المسلحة – لم تقدم يومًا مشروعًا جامعًا يعكس التنوع السوداني. كل مشروع سياسي ظل حبيسًا لهوية جماعة واحدة، مما رسّخ الشعور بالظلم والتهميش، وعمّق الانقسام.
الهوية يا سادة ليست ترفًا فكريًا، بل أساس السلام حين يشعر المواطن بأن ثقافته ولغته وتاريخه معترف به في مؤسسات الدولة، تزول أسباب التمرّد. أما حين يُفرض عليه أن يتنازل عن خصوصيته ليُقبل كمواطن، فإن ذلك يولّد الغضب والعنف. وبالتالي، السلام لن يتحقق إلا بتحديد الهوية على أسس عادلة.
عقد اجتماعي جديد نحن بحاجة إلى حوار وطني شامل يؤسس لهوية سودانية جامعة، تقوم على المواطنة لا العرق أو الدين. لا بد أن يشعر الجميع أنهم شركاء متساوون في الوطن، لا مجرد “أطراف” على هامش “المركز”.
لن نحقق سلامًا دائمًا بتوقيع اتفاقيات فقط، بل بتأسيس وعي جديد يركز على أن السودان يتسع لجميع أبنائه، بغض النظر عن انتماءاتهم القبلية أو الدينية. يجب على السودانيين أن يدركوا أن الهوية الوطنية ليست عباءة تُفرض من الخارج، بل تكون نتاج تفاعلات وتلاقحات بين مكوّنات البلد المتنوعة. ينبغي أن تكون الهوية الوطنية بمثابة نسيج يُنسج بعناية واحترام من خيوط تاريخية وثقافية واجتماعية تمتد عبر العصور.
عندما يتمكن السودانيون من صياغة هذه الهوية الموحدة والشاملة، سيكونون قد بدأوا، فعليًا، مشوار الخروج من الأزمة المستمرة التي شهدوا عليها لفترة طويلة. سيستطيعون استعادة بناء قوي يستند إلى قيم التسامح والتعايش والاحترام المتبادل بين جميع أفراد المجتمع، مما سيعزز الوحدة الوطنية ويقوي أواصر الانتماء المشترك.
على السودانيين أن يتجاوزوا الانقسامات القديمة والصراعات التاريخية، وأن يتجهوا نحو بناء وطن يسوده العدل والمساواة والحرية والسلام. يجب أن يكون هذا الوطن مكانًا يجمع بين الجميع بكرامة واحترام، حيث يتمتع الجميع بحقوقهم وحرياتهم على قدم المساواة دون تمييز أو تفرقة.
بالعمل المشترك والحوار المفتوح والتعاون البناء، يمكن للسودانيين بناء مستقبل مشرق يحقق فيه السلام والاستقرار والازدهار لجميع شرائح المجتمع. إن تعزيز ثقافة السلام والتسامح وبناء جسور الاتصال بين الأفراد والمجتمعات المختلفة يعد أمرًا حيويًا لتحقيق التقدم والتطور المستدام في البلاد. ختاما، أود أن أقول إن مسألة الهوية الوطنية تعتبر مسألة وجودية أساسية، وليست قضية سياسية أو دينية فقط، بل هي عنصر حيوي يمتد إلى جوهر الانتماء واستقرار الحياة المشتركة في أي مجتمع. تعزز الهوية الوطنية الوحدة والتضامن بين أفراد المجتمع، وتسهم في بناء أسس قوية للاستقرار واستمرارية الحياة الوطنية.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة