في لحظة تأمل قلقة، يجد الإنسان نفسه يواجه الحقيقة المُرّة: أن الدين، في كثير من مجتمعاتنا، لم يعد كما أراده الله منهجًا للرحمة والهداية، بل تحول إلى عبء تاريخي، وإلى أداة في يد أولئك الذين اختطفوا رسالته لحساب الدنيا، لا الآخرة.
الدين في جوهره صِلة فردية بين العبد وربّه، مجال للسكينة لا للسلطة، للخشوع لا للسطوة. أنزله الله ليزكّي النفوس، لا ليزكّي العروش. لكنه ما لبث أن أصبح ساحة للصراع، وشعارًا يُرفَع في وجوه المفكرين، ورايةً تُرفرف فوق مشاريع التمكين والتخويف. وبدلًا من أن يكون الدين ملاذًا للضعفاء، صار سيفًا في يد الأقوياء يلوّحون به ضد كل من يجرؤ على التفكير خارج القطيع.
لقد زجّ الدعاة والمُشرّعون الجدد بالدين في معارك لا علاقة له بها، معارك المال والسلطة، القومية والعنصرية، حتى صار الدين ـ في تمثلاتهم ـ كالإناء الملوث لا يقترب منه شيء إلا ابتُلّي بتشويه مقاصده. وقد يكون التشبيه قاسيًا، لكنه ضروري لتعرية الابتذال الذي بلغه الخطاب الديني المهيمن.
لقد اختُزل الدين إلى أداة طائفية، يستقوي بها من أراد التسلط، ويُسكت بها من أراد النقد. استُخدم في الهيمنة الثقافية كما استُخدم في التمدد العسكري، وفي كل مرة، كان يُفتَرى على الله كذبًا. أصبح التخويف من “الآخر” دينيًا، والموت في سبيل “الزعيم” جهادًا، وتحوّلت دعوات الحرية والعدالة إلى شبهات يجب تطهير المجتمع منها.
إن العرب، منذ أن استقر لهم المُلك، جعلوا من الإسلام حارسًا لأطماعهم. لم يتركوا للدين فضاءه الأخلاقي، بل طوّقوه بعصبياتهم، واحتكروا تفسيره لصالح مشروعهم القومي، حتى بات كل من يخرج عن تأويلهم “خارجيًا”، وكل من يدعو إلى تجديد الدين “زنديقًا”، وكل من يُذكّر بأن العلاقة مع الله لا تحتاج إلى وساطة ولا وصاية “منافقًا”.
الدين لا يحتاج إلى حُماة من سلاطين الجور، بل إلى عقول حرة وضمائر حيّة تردّه إلى مقاصده الأصلية: الرحمة، الحرية، والتزكية. الدين لا يُبتذل إلا حين يُفرض، ولا يُشوَّه إلا حين يُستخدم، ولا يُكفَّر إلا حين يُتّجر به.
علينا أن نعيد الاعتبار للدين كقيمة معنوية عليا، لا كسلعة سياسية. أن نُفرّق بين الإيمان الصادق والتدين الزائف، بين من يرى الدين جسرًا إلى السماء، ومن يجعله سلّمًا إلى الكرسي. تلك هي المعركة التي تستحق أن نخوضها، لا معركة “الردة” التي يصطنعها تجار
د احمد التيجاني سيد احمد عضو تحالف تاسيس ١٠ يوليو ٢٠٢٥ قريةً نوكيا فنلندا
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة