هل بدأ العد التنازلي لتحديد مستقبل السودان ؟ فبعد عقود من سيطرة الإسلاميين على مفاصل الدولة منذ انقلاب عام 1989 ، تلوح في الأفق نهاية هذا النفوذ بشكل دراماتيكي وغريب . وسط ضغوط دولية وإقليمية متسارعة ، يجد الفريق أول عبد الفتاح البرهان نفسه اليوم محاصرا بين متطلبات التطبيع مع إسرائيل ، ومطالب الغرب بإبعاد الإسلاميين عن السلطة كمفتاح لوقف الحرب ، في مقابل وعود بدعم سياسي وعسكري واقتصادي لنظام حكمه .
التاريخ يعيد نفسه بشكل لافت . ففي مطلع الألفية ، ضحّى الرئيس المعزول عمر البشير بحليفه الأيديولوجي حسن الترابي ، استجابة لضغوط خارجية ، في محاولة للبقاء في السلطة . واليوم ، يبدو أن البرهان يسير على الدرب ذاته . إسرائيل تتهمه بالتقارب مع إيران وحركة حماس ، ما يضعه تحت مجهر اليمين الأمريكي ، الذي لا يرغب في استمرار أي تيار إسلامي في حكم بلد استراتيجي مثل السودان ، خاصةً بعد أن صُدم برؤية ملايين السودانيين يثورون في 2019 لإسقاط حكم الإسلاميين .
هذه الضغوط دفعت البرهان إلى تعديل نبرة خطابه السياسي ، وتقديم نفسه كقائد براغماتي مستعد للفصل بين الدولة والإسلاميين . فالتطبيع مع إسرائيل بات شرطًا للحصول على القبول الدولي ، والدعم الاقتصادي ، والضمانات السياسية . لكن الأمريكيين ، في المقابل ، لا يريدون انهيارا مفاجئا للنظام قد يُدخل البلاد في دوامة جديدة من الفوضى ، لذلك يفضّلون الإبقاء على الجيش كقوة ضابطة ، بشرط التخلص من رموز الإسلاميين داخله .
الواقع يقول إن السودان أمام خيارين أحلاهما مر : إما الرضوخ للضغوط الغربية والإقليمية عبر التضحية بالإسلاميين ، أو الدخول في عزلة سياسية وأمنية قد تفتح الباب لفوضى جديدة . هذا السيناريو قد يمنح قائد قوات الدعم السريع المدعوم من دولة الإمارات ، مساحة أكبر من التأييد والدعم الغربي ، خاصةً في ظل استعداده المعلن للتطبيع مع إسرائيل "اليوم قبل غدًا" .
إنّ القرار في مصير الوطن يحتاج إلى شجاعة ، وإلى قراءة دقيقة للمشهد السياسي والأمني ، وإلى مشاورة حقيقية مع القوى المدنية المعارضة للبرهان . ولا يمكن الخروج من هذا النفق المظلم إلا من خلال إطلاق مشروع وطني جامع ، يُنهي إرث تجربة الإنقاذ التي امتدت لأكثر من ثلاثين عامًا عجافا ، نحصد نتائجها اليوم دمارا شاملا طال البلاد والعباد . والله المستعان .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة