هشاشة الوضع السياسي السودانيّ وتحدّيات تنفيذ اتفاقية جوبا للسلام: حسم مؤقّت يُكشِفُ عن أزمةٍ أعمق.
صدى الوطن ..أدم أبكر عيسى.
حسمَ تدخّل رئيس مجلس السيادة السودانيّ الجدلَ حول نسبة الـ 25% في اتفاقية جوبا للسلام، مُحتفظاً بالوزارات المُتّفق عليها عام 2021 بموجب بروتوكول القضايا القومية (المادة الثامنة، الفقرة الثالثة). شكّل هذا القرار، وإن كان خطوةً هامّةً لتجاوز أزمةٍ عاجلة، كشفاً عن هشاشةٍ بالغةٍ في المشهد السياسيّ السودانيّ، وتَعمّق الخلافات حول بناء دولةٍ تُحترم كافة مكوّناتها وشركائها السياسيين. فقد نجح "المطبخ السياسيّ" في صرف الأنظار عن نسبة الـ 75% المُخصّصة أصلاً لقوى الحرية والتغيير، لكنّ ذلك لم يُخفِ عمق الأزمة، وعدم وضوح الرؤية السياسية، بل أضعف الثقة التي بُنيت خلال لحظات الاصطفاف الشعبيّ ضدّ التمرد. يُشير هذا "الحسم" المؤقّت إلى قناعاتٍ مُزيّفةٍ، وإلى أنّ الصراع السياسيّ السودانيّ أعمق من مجرد تقاسم المناصب.
يُبرز الجدل حول نسبة المشاركة في السلطة (75%)، كما كشفت الأزمة، هشاشة المشهد السياسيّ السودانيّ، وضعف إدراكِ الفاعلين السياسيين لأولويات الوطن واستحقاقات السلطة. لقد أظهرت هذه الأزمة سيطرةَ كفاءاتٍ ذات خلفياتٍ سياسيةٍ ضيقة، وانتهازيينَ لا دراية لهم بمعاناة الشعب، مع تساؤلاتٍ مُثارة حول ولاء الكثيرين منهم الحاملين لجنسياتٍ أجنبية. فقد جرى تعديل الوثيقة الدستورية، لكنّ ذلك لم يُخفِ سعيَ البعض للاستئثار بالسلطة.
يتناول جوهر المشاركة في السلطة ملفّ القضايا القومية، تحديداً النسب المُحدّدة في الاتفاقية، وهي حقوقٌ مكتسبةٌ وليست منحةً. إلغاء أو التنازل عن هذه النسب يُمثّل خرقاً للعهد والميثاق. يتطلّب التنفيذ الكامل للاتفاقية، في شؤون السلطة والثروة والتنمية وعودة النازحين، إصلاحاً شاملاً للخدمة المدنية، بدءاً من مدراء عامين ووكلاء الوزارات وحكومات الولايات، مع إشراك أهل تلك الولايات بنسبٍ مُحدّدةٍ وفقاً لمسارات اتفاقية جوبا. يجب ضمانُ توازنٍ في الفرص وتكافؤها وفقاً لعدد سكان كل ولاية، وتطبيق النسب المُنصوص عليها في السلك الدبلوماسيّ، والوزارات، والقضاء، والترتيبات الأمنية. يُشكّل توفير الإمكانيات اللازمة للقوات المسلحة والقوات المشتركة لدحر التمرد مطلباً أساسياً للحكومة. كما يُساهم تكوين مجلسٍ لشركاء السلطة في تقديم المشورة والدعم لتنفيذ برامجها، وصولاً لبناء الدولة وإجراء انتخاباتٍ نزيهةٍ مع انتهاء الفترة الانتقالية. يجب البدءُ الفوريّ بتشكيل لجان الترتيبات الأمنية، وإشراك جميع أصحاب المصلحة لتحقيق الاستقرار السياسي، مع تطبيق الاتفاقية على جميع مستويات السلطة.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة