“اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا.” (القرآن الكريم – سورة المائدة: الآية 3)
في تلك اللحظة الخالدة من حجة الوداع، أعلن النبي المصطفى ﷺ اكتمال الرسالة. لقد نزل الوحي، وتم التشريع، وبلغت الدعوة ذروتها. لم يكن هناك شيء ناقص في منظومة الإسلام العقائدية والأخلاقية والشرعية. لقد اكتملت، وكُتبت الصحف، وجُمعت الأقلام.
فلماذا لا يزال هناك من يدّعي “الدعوة” بعد هذا الاكتمال؟
للوهلة الأولى، يبدو سؤالاً بسيطاً، لكنه يُخفي خلفه أزمة عميقة. الأزمة ليست في وجود دعاةٍ مخلصين يُبلّغون، ويُعلّمون، ويُذكّرون، بل في ظهور طبقة جديدة من “الكهنة”، ممن يحاولون أن يضيفوا، ويبتكروا، ويتاجروا، ويؤلهوا أنفسهم باسم الإسلام.
نعم، اكتمال الدين لا يعني انقطاع الحاجة إلى التوعية والتعليم، لكنه يمنع أن يُنصب أحد نفسه “وسيطًا” بين الناس وربهم، أو “مالكًا” لصكوك الغفران. ومتى ما ظهرت هذه الطبقة، كانت الأمة على أعتاب هاوية.
دعاة أم مرتزقة؟
في زماننا هذا، تضاعف عدد المتكلمين باسم الدين، لا للتذكير به، بل للاسترزاق باسمه. تحول بعضهم إلى نجوم على المنابر الفضائية، يمارسون التجارة في الفتاوى، والتجييش في السياسة، والتضليل في القيم. تراهم يرفعون الصوت في وجه الفقراء، ويسكتون أمام الطغاة.
أي دعوة هذه التي تُرهب المساكين وتُطأطئ الرأس للحاكم الجائر؟
أي دين هذا الذي يُصمت عن القتل والفساد والاستبداد باسم “ولي الأمر”؟
بين النبوة والكهنوت
كان الإسلام نقياً، خالياً من الكهنوت، لا يعترف بوسيط، ولا يقبل بمقدّس فوق النص. لكن ما فعله الإسلامويون الجدد أنهم استنسخوا نموذج “الكاهن” في عباءة “الشيخ”، ومنحوا أنفسهم حق تفسير الغيب وتوجيه الجموع، لا خدمة للدين، بل خدمة للسلطة والمال والطائفة.
لقد حولوا الدين من نورٍ يُهتدى به، إلى أداة للوصاية، ومطرقة تُهوي على رقاب الأحرار.
الدعوة الحقّة: تذكير لا استعباد
الدعوة، في أصلها، كانت دعوة للتفكر، لا للتلقين. دعوة لتحرير الإنسان، لا إخضاعه. دعوة لاكتشاف الله في الرحمة والعدل، لا في الخوف والطاعة العمياء.
فحين قال النبي ﷺ: “بلغوا عني ولو آية”، لم يكن يقصد إنتاج جيوش من المنصّرين الجدد، بل حثّ على نقل القيم، لا تنصيب أوصياء.
آن للناس أن يُفيقوا
نحن اليوم في زمنٍ كثر فيه الضجيج باسم الدين، وقلّ فيه الصدق في جوهره. ولذا، فإن المسؤولية تقع على الشعوب لا على الدعاة فقط. آن لنا أن نُفرّق بين من يُذكّر بالله، ومن يُقدّم نفسه كبديلٍ عنه.
وآن لنا أن نرفض المتاجرين بالخلاص، باسم “دعوة” لا تدعو إلا لنفسها.
الختام
الدين قد اكتمل. الرسالة قد تمّت. وما تبقّى ليس إلا صراعًا بين من يريد أن يوقظ الضمير، ومن يريد أن يستعبده.
فلا تهنوا… ولا تخلطوا بين الداعية الحق، والمهرج
د. احمد التيجاني سيد احمد عضو تحالف تاسيس ٦ يوليو ٢٠٢٥ قرية نوكيا فنلندا
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة