من صانع وعي إلى أداة حرب- تشريح تحول المثقف السوداني في الزمن الدامي

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 07-07-2025, 10:25 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
07-05-2025, 09:11 PM

زهير ابو الزهراء
<aزهير ابو الزهراء
تاريخ التسجيل: 08-23-2021
مجموع المشاركات: 11914

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
من صانع وعي إلى أداة حرب- تشريح تحول المثقف السوداني في الزمن الدامي

    09:11 PM July, 05 2025

    سودانيز اون لاين
    زهير ابو الزهراء-السودان
    مكتبتى
    رابط مختصر





    في قلب الحرب السودانية الراهنة، يقف المثقف عاريًا أمام أسئلة قاسية. ليس فقط سؤال: ماذا أقول؟ بل أيضًا: من يصنعني كفاعل سياسي؟
    ولماذا أصمت؟ وما حدود الفعل الأخلاقي في واقع يخنقه العنف والانقسام؟ الحرب هنا ليست مجرد مواجهة مسلحة، بل مختبر هائل يعيد قولبة الضمائر والأفكار ويختبر قدرة المثقف على المقاومة أو الاستسلام.
    الانقسام السوداني لم ينشأ من فراغ، بل هو نتاج آليات إنتاج منهجية حولت الهوية إلى عملة سياسية مربحة.
    فالقبيلة والدين تحولا إلى رأسمال سياسي تموّله الأحزاب والميليشيات وتستثمر فيه لتحقيق السلطة والنفوذ.
    يحصل المثقف الموالي لجماعته على المنصات الإعلامية، الوظائف، التمويل، والحماية، بينما يُحاصر المستقلون اقتصاديًا واجتماعيًا ويُدفعون إلى هامش المشهد العام.
    المفارقة القاسية أن خطاب الكراهية يصبح استثمارًا مربحًا، في حين يُعاقب النقد الموضوعي بالعزلة والتهميش.
    التعليم نفسه يُستخدم كأداة تفكيك لا توحيد، إذ تحرّف المناهج الرسمية التاريخ لتمجيد مجموعات وشيطنة أخرى، وتُدرّس الدين كأداة صراع لا كمساحة للحوار والتلاقي.
    هذه المناهج تغتال الذاكرة الجمعية التي كان يمكن أن تؤسس لوعي وطني جامع، وتزرع في الأجيال خوفًا وريبة من الآخر المختلف، فيتحول حتى المثقف إلى ضحية لهذا التكوين.
    أما الإعلام، فقد صار ساحة حرب افتراضية، حيث يُعاد تشكيل المثقف ليصبح جنديًا على لوحة المفاتيح، يكسب لجماعته نقاطًا في معركة السرديات.
    في مناخ اقتصاد الانتباه، يُدفع نحو إنتاج خطاب صادم واستقطابي ليضمن البقاء في واجهة المشهد. هكذا يتحول من منتج للمعرفة والحوار إلى تاجر صدمات ومهندس كراهية.
    في هذا السياق المسموم، يفقد المثقف قدرته على أن يكون حرًا تمامًا. يظن المنخرط في خطاب الهوية أنه فاعل حر، لكنه في الحقيقة أداة ضمن آلة أكبر تعيد إنتاج النظام القديم.
    يواجه المثقف ما يمكن تسميته بالاغتراب المزدوج: فكلما تعمق ولاؤه لجماعته، ابتعد عن دوره النقدي الحر وعن إنسانيته التي تراه قادرا على رؤية معاناة الآخر المختلف
    وأكثر المفارقات مرارة أن المثقفين المستقلين غالبًا ما يُوصمون بالخيانة أو التخاذل، رغم أنهم الأكثر وفاءً لفكرة الوطن الجامع والضمير الحر.
    لكن مسؤولية المثقف النقدي لا تنحصر في إعلان براءته الأخلاقية أو في التحليق في تنظير مجرد، بل تتطلب مواجهة شجاعة لمصانع الوعي التي تنتج الانقسام.
    عليه أن يكشف الآليات الخفية التي تحوّل الهويات إلى رأسمال سياسي، وأن يوثق التمويل الذي يغذي خطاب الكراهية ويحوله إلى سوق رائجة.
    مطلوب منه أن يبني جغرافيا معنوية جديدة، من خلال خلق فضاءات حوار عابرة للهويات الضيقة، مثل الصالونات الثقافية المستقلة والجريئة، وإعادة كتابة التاريخ من منظور الضحايا المشتركين.
    هذا المثقف النقدي مطالب أيضًا بالانحياز العملي للإنسان، برفض التمويل المشروط، وبناء مشاريع معرفية مستقلة، وتحويل الهوية من سجن ضيق إلى جسر للحوار والتلاقي. الحرب الراهنة لا تقتصر على القتال بالسلاح
    بل تكشف أيضًا الأيدي الخفية التي توجه الضمائر وتكتب الخطابات.
    فهناك من يرفع شعار المدنية بينما يتحالف مع ميليشيا جهوية، ومن يلعن العنصرية لفظيًا لكنه يزرع كراهية المجموعات الأخرى عمليًا، ومن يختبئ في صمت مريب خوفًا من خسائره الشخصية.
    المثقف الذي يرفض أن يكون خادمًا في آلة الهدم، حتى لو كلفه ذلك العزلة أو التخوين، هو وحده القادر على كسر هذه الحلقة القاتلة.
    الوطنية الحقيقية ليست انتماءً جاهزًا يولد مع الناس، بل ممارسة يومية شاقة تبدأ بالوعي النقدي.
    هي تتطلب الاعتراف بأن الهويات لم تنشأ شريرة بطبعها، بل صُنعت وتحوّلت إلى أدوات هدم عبر تاريخ طويل من التسييس والتعبئة.
    هذه الوطنية لا تنمو إلا ببناء مؤسسات ديمقراطية عادلة تقطع الطريق على اقتصاد الهوية، وتحيّد الدين والقبيلة كوسائل للهيمنة والسيطرة. السؤال الأهم ليس لمن أنتمي، بل كيف أحمي الإنسان؟
    الحرب ليست اختبارًا لأخلاقياتنا الفردية فحسب، بل كاشفة للأيدي الخفية التي تمسك بأقلامنا وأصواتنا. والتحرر الحقيقي يبدأ حين نسأل بصدق: أي يدٍ هذه التي تكتب؟
    المثقف السوداني اليوم أمام مهمة صعبة لكنها ضرورية: أن يظل عاقلًا في زمن الجنون، إنسانيًا في زمن الكراهية، نقديًا في زمن الدعاية.























                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de