المشهد الأول: حين كانت الكلمة سيفًا كان الدكتور معز عمر بخيت شاعرًا يكتب بالدم. كان صوته صارخًا في وجهِ الظلام: «أيها الأوغاد.. سنهزمكم!»، «قتل المسلم المغدور في رمضان يجعلكم دياجيرَ طغيان!». كان بيته الشعري:
«ونبيع شبابنا الشهداء في ذل نغازلكم؟» سؤالاً وجوديًا يُلاحق كلَّ خائنٍ محتمل. صنع من قصيدته محرابًا لدماء الشهداء، وحوَّل رفضه الوزارة إلى ثورةٍ في عُري الكلمة.
المشهد الثاني: السقوط في حضن الأفاعي لكن المفارقة المرعبة: ها هو اليوم يضع يده في يدِ من سمّاهم "مجلس الأفاعي"، ويقف ليُقسِم الولاءَ لسلطةٍ كتب عنها:
«فوق جهنم الكبرى مساكنكم». أيُعقل أن تُصبح قصيدته شاهد إدانةٍ عليه؟ أيُعقل أن يُغادر محرابَ الدم إلى كرسيٍّ مغسولٍ بالتناقض؟
جدول الخيانة: حين خان شعره قبل شعبه ماضيه الثائر حاضره الوزاري التناقض القاتل "لا نسلمكم مفاتيح النور" سلَّمهم وزارة الصحة تنازل عن المفاتيح "تبًا للأسير معكم" صار أسيرًا في حكومتهم أصبح ما لعن "دم الشهداء جدار" تجاوز الجدار هدم رُمزيته "سنحطم طغيانكم" صار جزءًا من الطغيان انقلب السحر على الساحر المشهد الثالث: الدم المسفوك يصرخ من الوزارة هل تذكر يوم كتب:
«قتل المسلم المغدور في رمضان يجعلكم دياجيرَ طغيان»؟ اليوم، مبنى وزارته الجديدة مبنيٌّ على تلك الدماء. قبوله المنصب هو:
غفرانٌ مُزيَّفٌ للجلادين.
ختمُ شرعيةٍ على جرائمهم.
صفعةٌ لأمهات الشهداء اللواتي رددن قصيدته.
المشهد الرابع: لماذا السقوط أقسى عندما يكون من القمم؟ لأنه لم يسقط كسياسيٍّ انتهازيٍّ عادي، بل سقط كـكاهنٍ دنَّس مذبحه. لأن قبوله يعني:
أن دماء الشهداء أصبحت عملةً متداولةً في سوق المساومات.
أن الثورة السودانية خُدعت بأبطالها الوهميين.
أن الكلمة الثورية قد تكون قناعًا يخفي جوعًا للمناصب.
المشهد الخامس: هل من عودة؟ بقي له خياران لا ثالث لهما:
الخيار الأول: الانكسار الكامل أن يُكمِل طريقه كوزيرٍ، فيصير مجرد رقمٍ في سجلّ الخائنين، وتصير قصيدته نُكتةً تُروى في مقاهي الخيانة.
الخيار الثاني: التكفير المستحيل أن يهزأ بالكرسي قبل أن يلمسه، وينثر استقالته في وجه من عيَّنوه، ويكتب قصيدةً جديدةً تبدأ بـ:
«عدتُ إليكم أيها الشهداء.. اعذروني» لكن.. هل يُصلح الشظايا من كسر الرمز؟
الخاتمة: محاكمة في محكمة الشعر أيها الدكتور: لم نكن نحن من رفعك إلى قمة القداسة، بل أنت من تسلقتها على سلمٍ من أبياتك النارية. اليوم، وأنت تنحني لتُقَسِّمَ أمام من لعنتهم:
أرواح الشهداء تقف خلفك تهمس: «خنتَ العهد».
قصيدتك تنزف على الورق: «لماذا بعتني؟».
تاريخ السودان يُدَوِّن: «كان هنا شاعرٌ صادق.. ثم صار وزيرًا كاذبًا».
فاسأل نفسك قبل أن ينام ضميرك للأبد:
«هل كان كرسي الوزارة يستحق أن تجعل مني الشخص الذي كنتَ ستحرقه بقصيدتك لو كنت مكاني؟».
«الخيانة لا تقتل الثورة.. لكنها تُلبس أبطالها أردية الجلادين» — مَنْ لم يَخُن بعد.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة