حذرت الأمم المتحدة في تقرير جديد صدر يوم الاثنين الماضي ، أن ملايين السودانيين الذين هربوا إلى دول الجوار يقفون على حافة المجاعة . بين مشاكل إثيوبيا المتوترة ، وليبيا المنهكة ، وإفريقيا الوسطى الفقيرة ، ومصر التي تعاني اقتصاديًا ، يكافح السودانيون من أجل البقاء على قيد الحياة . إنهم لا يبحثون عن مأوى كلاجئين فقط ، بل يحاولون الحفاظ على حياتهم الأساسية .
هذه المعاناة ليست حديثة ، لكن الجديد هو حجم التجاهل العالمي لها حيث العالم يشاهد صور الألم ، ويسمع أعداد النازحين ، ويقرأ عن انهيار السودان ، ثم يلتزم الصمت . كأن الموت البطيء للسودانيين لا يزعج أحدًا ، ولا يحرك ضمائرهم .
لم يكن الجوع حادثًا طبيعيًا ولم يضطر السودانيون لمغادرة وطنهم بسبب الجفاف أو الكوارث الطبيعية . بل هربوا من جحيم حرب لا معنى لها يشنها الإسلاميون الطامحون للسلطة . حرب دمرت العاصمة الخرطوم ، ومزقت إقليم دارفور ، وشردت الملايين . الحرب مستمرة ، بينما يُترك اللاجئون السودانيون لمصيرهم في مخيمات تصلها المساعدات بشكل متقطع ، إن وصلت أصلًا .
نزح السودانيون إلي دول الجوار واللاجئون منسيون ، هذه الدول المجاورة تعاني صعوبات جمة ، فإثيوبيا تكافح مشاكلها الداخلية رغم استضافتها مئات الآلاف من السودانيين . مصر تعاني من أزمات اقتصادية شديدة . ليبيا لا تزال غارقة في النزاعات . إفريقيا الوسطى بالكاد تستطيع إدارة شؤونها . كيف يمكن للاجئ أن يجد الأمان في دول بالكاد توفر الأمان لشعبها ؟ الإجابة واضحة ، حيث لا أمان هناك . الجوع والمرض والعنف والتمييز أصبحوا رفاقًا دائمين للسودانيين في منفاهم .
مشاهد مؤلمة تتكرر كل يوم ، الأم تموت جوعًا في صمت ، وطفل ينام جائعًا على أرض الحدود القاسية ،وشاب يشعر بأنه عبء ويتمنى الموت . هذه مشاهد حقيقية تتكرر في كل مكان لجأ إليه السودانيون .
أين رد فعل العالم والمنظمات الدولية تقول إنها "تعاني من نقص في التمويل" . الدول الكبرى تكتفي بإصدار بيانات إعلامية . الإعلام العالمي لا يعطي هذه الكارثة الاهتمام الذي تستحقه ، مقارنة بأزمات أخرى أقل حجمًا وتأثيرًا . ما يحدث ليس بسبب قلة الموارد ، بل بسبب غياب الإرادة الحقيقية للمساعدة . السودانيون يُتركون عمدًا لأنهم لا يمثلون أولوية "للأمن القومي" لدول الغرب .
هذه ليست مجرد أزمة جوع أو نزوح . إنها فشل أخلاقي وأزمة ضمير على المستوى العالمي . الجوع الذي يعاني منه السودانيون في المنفى هو عار على الإنسانية جمعاء . وهو نتيجة مباشرة لحرب مدمرة ، وصمت دولي مخجل ، وتقاعس من المجتمعين الإقليمي والدولي . إذا لم يتحرك العالم الآن ، فسنشهد قريبًا موتًا جماعيًا ، ولن يبقى هناك سوى تقارير تحكي عن تحذير أممي لا تجد آذان تسمع .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة