في بلد تتزاحم فيه الهُويات، وتتعارك فيه الذاكرات الجماعية، يخرج علينا المدعو عبدالرحمن عمسيب، من كهوف نخبوية مشبعة بعقدة اللون وتفوق العِرق، محاولا التنظير لمشروع انفصالي، نخبوي، عنصري، يختبئ خلف مصطلحات ضخمة ونظريات مكررة، ليخدع بها البسطاء ويجمّل بها نرجسيته المثقفة. يطلّ علينا عمسيب في كل مرة على وسائل التواصل الإجتماعي وفي الإعلام والصحف، متجلببا بعباءة المثقف العضوي، كما يُحب أن يُقدم نفسه، متحدثا عن نظرية النهر والبحر، ملوحا بانفصال خفي عن باقي السودان، مشيرا بوضوح إلى كراهية دفينة تجاه مكونات غرب السودان، وعلى رأسها أهالي دارفور وجبال النوبة. لكن، من هو عبد الرحمن عمسيب؟ وهل هو فعلا رائدٌ لا يكذب أهله، كما يزعم، أم أنه مجرد مثقف مستلب، يحاول الهروب من سواد جلده إلى وهم العروبة النهرية، وهل نظريته عن الاجتماع السياسي سوى إعادة تدوير باهتة لما كتبه المستشرقون في القرن الماضي؟ عمسيب لا يخفي عنصريته، بل يغلّفها بالبلاغة، حين يتحدث عن هجرات وسط وغرب إفريقيا، وكأنهم سرب من الجراد اجتاح جغرافيا النيل، فإنه لا يرى في هؤلاء السودانيين شركاء في الوطن، بل عالة ديموغرافية تهدد نقاء الوسط النيلي (قوم سُود بثقافة بيضاء).. أي صفاقة فكرية هذه، هل السودان قطعة من أوروبا، أم دولة قامت على تطهير عرقي اسمه النهر والبحر؟ ثم يسرد الرجل فصولا من تاريخ ما بعد الاستعمار كما يحلو له، متناسيا أن من دافع عن الوطن في لحظاته الحرجة، لم يكن ذلك الصفوي النيلي الشمالي الجبان، بل أولئك الذين يسخر منهم.. أبناء الغرب، الجبال، الجنوب. ما يُبكي ويُضحك في آن واحد، هو أن عبدالرحمن عمسيب، أسودُ اللون، زنجي الملامح، قارئ في الفيتوري، لكنه لم يتصالح أبدا مع مرآته. فبينما يقتبس من درويش والفيتوري وبائية أبي تمام، يصرّ على دفن هويته الأصلية، متشبثا بهُوية بيضاء متخيلة، فينظّر، يهاجم، يُقسّم، ويُصنف، لكنه لا يستطيع الإجابة عن سؤال بسيط، وهو من أنت فعلا يا عمسيب وماذا تريد؟ هل تعتقد فعلا، أن النهر أنقى من الوادي، وأن البحر أطهر من الجبل؟ إن كانت هذه هي النظرية، فمرحى للعلوم الزائفة! ما يسميه عمسيب بنظرية الاجتماع السياسي، أو النهر والبحر، ليس سوى محاولة ملتوية لتبرير التمايز الجغرافي الهوياتي، وصياغة ميثاق جديد على مقاس الهوى النيلي. إن ادعاءه بأن مجتمعات غرب السودان والجبالن دخلت السودان من الخارج، ليس فقط تجنيا على التاريخ، بل تحريضا صريحا على العنصرية، وإعادة تدوير لخطاب البشير وعلي عثمان، حين قالا في يوم ما، إن التمرد جاء من غرب السودان، ومن حزام الزنوج. لتتأمل قوله، عزيزي القارئ.. المجتمعات التي كانت في مرحلة القبيلة أو القومية قام الاستعمار بتحطيم بنيتها وتحويلها إلى الدولة! ثم تأمل قوله الآخر هذا! ظاهرة الهجرات الواسعة من السهل الإفريقي أدت إلى تهديد استراتيجي للسودان النهري، هنا يظهر جوهر فكر عمسيب، وهو الخوف من الآخر، بل الخوف من المساواة. فالرجل يتصور السودان كما يتصور المستوطن الدولة، يُريد له أن يكون محمية خاصة، حيث تُضبط الهُوية بمفاتيح بيولوجية وثقافية، تضمن تفوّق أهله على سائر السكان، لكنه ينسى، أن الهويات في السودان ليست ثابتة، ولا نقية، ولا مفصولة كما يظن، بل هي متداخلة، هجينة، ومتعددة كجدائل النيل نفسه. في كل فقرة من فقرات مقالاته، وكل خطاب من خطاباته، وكل فيديو من فيديوهاته، يحاول عبدالرحمن أن يرسم صورة متخيلة عن مركز نخبوي نقي، مقابل هامش ملوث، مزعج، بدوي، رعوي، دخيل. لكن فاته أن يعلم، أن هذه البلاد التي يسميها الهامش، هي التي رفدت المركز بالحياة، وأن شعب الله النهري المختار الذي يتصوره، ليس سوى خرافة عنصرية، يتبناها كل من لم يُشف من استعمار الداخل. من رفاعة إلى كادوقلي، من الجنينة إلى بورسودان، السودان لا يحتمل أمثال عمسيب، لأنهم يرون فيه شقين. شمال يستحق الحياة، وجنوب يجب احتواؤه أو التخلص منه. لكن لنتوقف عند السؤال الأخطر: هل عبد الرحمن عمسيب يدعو إلى الانفصال فعلا؟ الإجابة نعم.. ولكن بطريقته الخاصة، وبأدوات نظرية مشروعه ليس أكثر من إعادة تدوير لفكرة السودان النقي، المتجانس، المُنتقى، أي سودان النهر فقط، أو بالأصح سودان دون أفارقة. تحت ستار العقد الاجتماعي، يريد أن يُعيد إنتاج سايكس بيكو داخلي، يقسم السودان إلى أصل ووافد، صاحب دار وضيف ثقيل، هوية ولاهوية.. لكن من أين له هذا الحق؟ ومن أعطاه صكوك الطهارة ليقيّم الهويات.. أليس هذا استعمارا جديدا بلُغة قديمة؟ في النهاية، عبدالرحمن عمسيب ليس ظاهرة معزولة، بل هو تمثيل حي لأزمة بعض النخب السوداء التي عجزت عن التعايش مع سوادها، فقررت الهروب عبر شرفات اللغة إلى أحضان هوية مستعارة، لكن السودانيين من كل الجهات، لن يُخدعوا بمفاهيم لامعة تخفي تحتها سموما قاتلة. عبد الرحمن عمسيب، كغيره من دعاة الوهم، يُحمّل الاستعمار مسؤولية كل شيء، في محاولة لتبرير إخفاقات بنيته الذهنية أولا، ومشروعه النخبوي ثانيا. يقول إن المستعمر حرق المراحل، وأدخل القوميات إلى الدولة قسرا، وكأن السودان قبل الاستعمار كان يسبح في واحة من الاندماج والتعايش النموذجي. لكن فلنذّكر هذا الرجل الواهم: قبل الاستعمار، لم يكن هناك سودان واحد موحد أصلا، بل كانت هناك ممالك، سلطنة الفونج، مملكة الفور، السلطنة الزرقاء، سلطنة تقلي، سلطنة دارفور، مشيخات كردفان، إمارة المسبعات، ممالك النوبة المسيحية، وغيرها. هذه الكيانات لم تكن تتدرج نحو الدولة كما يزعم، بل كانت تتقاتل، تتحالف، تنقسم وتتماهى ضمن ديناميكية القارة الإفريقية. الاستعمار لم يُحطّم شيئا، بقدر ما فرض نموذجا سياسيا موحدا، بغض النظر عن دوافعه، أدى إلى تكوين كيان اسمه السودان، بكل تعقيداته ومكوناته.. فهل يُعقل أن يكون الحل عند عمسيب هو تفكيك ما بُني، لا ترميمه، أم أنه يستبطن، كما كثير من أمثاله، حنينا إلى السودان النيلي فقط؟ ظاهرة اللجوء والهجرات الكبيرة لقبائل كاملة من مواطنها، ألقت بملايين البشر داخل جغرافيا السودان، مما يعني بالضرورة المزيد من المنافسة العنيفة على الأرض والموارد.. يا سلام يا شاطر! هكذا وبكل بساطة، يُعيد إنتاج خطاب الاستبدال الديموغرافي، ذلك الخطاب الذي روّجت له الأنظمة العنصرية البيضاء في أوروبا وأمريكا، والذي استخدمه قتلة السُود في شارلوتسفيل، وقادة اليمين المتطرف في أوروبا. بكلمات أخرى.. عمسيب يرى أن المشكلة في الناس، لا في النظام، في المهاجرين لا في التوزيع غير العادل للثروة، في الآخر الذي عبر الحدود، لا في المركز الذي صادر كل شيء، بل في الهامش المظلوم. لكنه ينسى، أو يتناسى، أن من بنى العاصمة، وخدم النيل، وعلّم أبناء النخبة، وحرث الأرض، وقاتل في الحروب، وسكن المعسكرات، وساهم في النهضة القليلة التي عرفتها البلاد، هم ذات الملايين الذين يسميهم الآن تهديدا استراتيجيا. واحدة من أكثر الجمل الملتوية التي يوردها عمسيب في خطاباته، هي أن الهوية لم تكن أزمة قبل لحظة الاستعمار الأولى! وهنا نسأله: هل أنت جاد؟ هل كان السودان قبل الاستعمار جنة هوياتية؟ هل كان سكان دارفور والنيل الأزرق وشرق السودان يشعرون باندماج روحي مع شيوخ رفاعة وعُمد النيل الأبيض، أم أن الهوية في السودان، ومنذ فجر التاريخ، كانت تجسيدا لصراع دائم بين من يملك السلطة ومن لا يملكها، بين من يستأثر بالمركز ومن يُلقى في الظل؟ الهوية في السودان لم تكن يوما ثابتة، بل كانت صراعا مستمرا، وهذا طبيعي في بلد متعدد الإثنيات واللغات والديانات والثقافات. المشكلة ليست في التنوع، بل في محاولات بعض النخب، كعمسيب، لتحويل هذا التنوع إلى لعنة. لا بد من وقفة نفسية، لا سياسية، عند هذه الفئة من الكتّاب الذين يشبهون عبدالرحمن عمسيب، ممن ينشأون في بيئة سوداء بالجلد، لكنها مشبعة بالاحتقار الذاتي، إلى الحد الذي يجعلهم يتخلون عن جلدتهم ووجدانهم، ليصبحوا أدوات في يد مشروع الهيمنة الثقافية البيضاء. هم يكرهون صورة المرآة، ويظنون أنهم، إن تحدثوا الفصحى، واستشهدوا بأبي تمام والمتنبي ودرويش، فإنهم سيُبيّضون أنفسهم ثقافيا. لكنّ الثقافة ليست حمّام كلور، ولا الهوية تُغتسل بالكلمات. عزيزي القارئ.. لو قرأت مقالا عن عبد الرحمن عمسيب، فلا تلُم نفسك إن شعرتَ بأنك خرجت منه تتساءل: أكان ذلك وصفا لمثقف، أم تفكيكا لشيفرة جاسوس هوياتي، لأن ما يفعله عمسيب، ليس تنظيرا في الفضاء العام، بل رقصة هروب جماعي من الحقيقة، يلبسها قناع الفكر، ويعزف على وتر النخبة المهزومة نفسيا. المشكلة مع عمسيب، ليست فكرا نختلف معه، ولا مشروعا سياسيا ننتقده فحسب، بل هي في كونه يمثل جيلا كاملا من المثقفين المستوردين، الذين يكتبون عن الوطن كما تكتب الغوريلا عن الغابة بعدما تدربت على آلة الطباعة. عبد الرحمن عمسيب، يهرب، نعم يهرب، وتهرب بأسلوب أدبي فخم، لكن هروبه لا يغيّر من الواقع شيئا، تماما كما أن القرد، لو لبس بدلة رسمية وربطة عنق، لن يُدعى إلى مجلس الأمن القومي. نحن نراه، يكتب عن المواطنة، ثم يقسم الوطن إلى طاهر ومدنّس، يتحدث عن الهُوية الجامعة، ثم يستبعد من تلك الجامعة كل من لا يحمل شهادة الميلاد من ضفاف النيل. يقول إنه ابنُ السودان، ثم ينكر نصفه، يلعن هامشه، ويستكثر عليه أن يحلم بحياة كريمة، وكأنه الوصي على حلمه، والمفوّض عن صمته. ولكن مهلا، لنعترف.. خطاب عمسيب ليس جديدا، إنه ابن شرعي لحالة نفسية سياسية قديمة، اسمها عقدة المركز، وهي العقدة التي تُولد حين يقضي المثقف جلّ عمره يحاول أن يتبيّض بالخيال، لا بالواقع، وبالعُروبة الخرافية لا بالعروبة الحقيقية، وبالمركز الوهمي لا المركز السياسي الحقيقي. عبد الرحمن، ليس أول الهاربين من جلدهم، فقد سبقه كثيرون، من أولئك الذين ظنوا أن ارتداء الجلابية البيضاء، سيجعلهم أقرب للهُوية المثالية التي رسمها خيال المستعمر في أذهانهم، وحين استيقظوا، وجدوا أنفسهم لا في صالة العروبة، ولا في مملكة الأفارقة، بل في اللامكان، بلا انتماء حقيقي، ولا مرآة تصدّقهم. فماذا تفعل يا عبد الرحمن؟ تقوم، وتبني لك سردية مزيّفة، تسميها النهر والبحر، ولا ندري هل هو (كونسبت) جغرافي، أم وصفة لغسيل الدماغ؟ تقول إن هؤلاء المهاجرين من الغرب، يهددون السودان، وكأن السودان عند ولادته خرج من رحم النيل فقط، ولم تَرضعه دارفور، ولم تُربّيه كادوقلي، ولم تُحمّمه بورتسودان في شطآنها! ألم تسأل نفسك يوما، لماذا لا يحبك سوادك؟ لماذا لا يُغريك تاريخ من يشبهونك؟ لماذا لا ترى في جبين الفور أو البجا أو النوبة، غير غزاة جاءوا من السهل الإفريقي؟ لأنك ببساطة يا عمسيب، قررت أن تنحاز للضوء المزيّف، للهوية المصنعة في غرف النخبة المريضة، لا للهوية التي تشقّقت من تحت قدمي هذا الشعب الذي ظل يركض، يركض، دون أن يصل إلى منصة العدالة. ولو أردنا تلخيص نظريتك، يا عبد الرحمن، في جملة واحدة، لقلنا، كيف تصبح عنصريا، وأنت تقتبس من الفيتوري ودرويش؟ أي مفارقة أكثر إثارة للضحك من هذه؟ أي بؤس فكري هذا الذي يجعل الرجل يقول: أنا مع الدولة المدنية، ثم يتحدث عن تفوق نهر على جبل، وعن نقاء البحر مقابل تلوث الرمال؟ إنك لا تؤمن بالدولة، بل تؤمن بالصفوة، لا تؤمن بالمواطنة، بل تؤمن بالاختيار الوراثي للانتماء. تقول إن المجتمعات دخلت من الخارج، فهل كنت واقفا على البوابة، تُفرز الناس باللون واللسان واللهجة؟ صدقني، لو تركنا لك الأمر، لطلبت من سكان غرب السودان أن يملأوا استمارات انتماء، ويخضعوا لفحص DNA سياسي، قبل أن يدخلوا الخرطوم. لكن يا صاحبي، السودان ليس نادي للصفوة، وليس متحفا للهويات النقية، السودان حيّ، متداخل، فيه من جبل مرة أكثر مما فيه من ضفاف نهر عطبرة، وفيه من ترحال الرعاة أكثر مما فيه من قواعد الفقه السياسي النيلي. ثم، لنسأل السؤال الأهم: متى أصبحتَ قائدا في معركة الهُوية.. ومن ألبسك بزة المنظرين؟ هل لأنك تتحدث بلغة جميلة؟ أم لأنك تلوّح بكلمات المجتمع السياسي، العقد الاجتماعي، الانفصال الثقافي؟ هذه مصطلحات يمكن لأي طالب ماجستير مضغوط أن يُعيد تدويرها، لكن الفرق أن هذا الطالب لا يدّعي بها قيادة وطن، ولا يُخفي خلفها احتقارا غير مبرر لمواطنيه. أنت في الحقيقة، تبيع الناس وهما، ومشروعك ليس أكثر من استعلاء مغلف بورق السوليفان الأكاديمي. إنك تكتب مقالاتك كما يُحضّر الطاهي وجبة مسمومة بنكهة الزنجبيل، تخدر أولا، ثم تقتل. والأدهى، أنك تتحدث عن نظرية ما بعد الاستعمار، بينما تمارس أسوأ ما تركه الاستعمار من تصنيفات، (أصل، فرع، ضيف، وافد، عابر، مقيم، صاحب دار… إلخ)، فأي ما بعد هذا؟ بل نحن في ما قبل العقل، وما قبل الوطن، وما قبل أن تفهم أن الوطن لا يُبنى بخرائط الهوى. ثم تقول، بكل بساطة، إن على السودان أن يُعيد تأسيس نفسه بناء على هذه الهوية النهرية؟ وكأننا في حفل توزيع جوائز الأوسكار، ونستبعد أي مرشح لا يلبس البدلة السوداء، ولا يتحدث بالإنجليزية الأكاديمية. لا يا عمسيب.. نحن في دولة تعثرت منذ الاستقلال، ليس لأن أهل الغرب تسللوا إليها، بل لأن أمثالك قرروا أن الوطنية وظيفة تؤدى بالانتماء للنخبة فقط، وأن المواطن الحقيقي هو من يلبس عباءة الأبيض، ويحفظ بيتين من ديوان أبو القاسم الشابي. ولأننا نؤمن بالحقيقة، سنقولها لك بوضوح: إن السودان الذي تحلم به لا مكان له في هذا الزمن، لأنه يشبه لوحة رسمها رسام أوروبي في القرن التاسع عشر، دون أن يزور الخرطوم، ولا الجنينة، ولا كادقلي. إن مشروعك يا عبد الرحمن، حتى وإن بدا لك أنيقا، فهو أشبه برجل يرتدي بدلة فاخرة فوق جسم مشروخ، جسم لا يحتمل الصدمات، ولا يملك الشجاعة ليرى نفسه في المرآة. وإذا كُنت لا تزال تظن أن النهر أطهر من الوادي، والبحر أنظف من الخيران، فدعني أقولها لك بصوت شعبي هذه المرة، حتى تصل الرسالة دون ترجمات، (اللي بخاف من لون جلده، عمره ما هيقدر يبني وطن، لأنه لسه مش قادر يبني نفسه). فدعك من الكلام المنمق، ودعك من تأليف الوطن من رأسك، ودعك من رسم الحدود داخل الخرائط الوطنية، لأننا يا عبد الرحمن، لم نعد نثق في الأقلام التي تكتب وهي ترتجف من مرآة الصدق. نحن من الهامش الذي لا تخشاه، إلا لأنك تعرف أنه إن تحدث، سيكشف المستور. نحن الذين نبني هذا الوطن بلا مجلات أدبية، وبلا مؤتمرات تنظيرية. نحن الذين لا نحتاج إلى نهر ولا بحر لنثبت وجودنا، لأن الأرض كلها تشهد أننا هنا، باقون، حتى لو اجتمع كل المنظّرين في صالونات الأفكار المستوردة. فاحفظ يا عبد الرحمن، هذا الاسم الجديد الذي نمنحك إياه: عبدالرحمن أنكر أهله، عمسيب، نزيل دائم في نهر بلا ضفاف، وبحر بلا هوية. وأخيراً... وداعا أيها الرائد الذي يكذب أهله، فقد انتهت النكتة، وبقي الوطن.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة