أُجريَ منذ عدة سنوات حوار مطوّل مع الكاتبة الناقدة والكاتبة والروائية والمخرجة (سوزان سونتاغ). وقد تطرقت في حديثها لعدة موضوعات من بينها حديثها عن ولعها بالصور والتصوير حيث استشهدت بقول ويليام إيفينز: ربما كان اختراع الكاميرا أهم من المطبعة. تضمنت إفادات سونتاغ في ذلك الحوار عدة ملاحظات وأفكار، أوحت إلي في تناص فكري بكتابة الأفكار والملاحظات أدناه لاحقا عن التصوير. هذا مقتبس من الحوار الطويل مع سوزان سونتاغ: سونتاغ: حاليًا، لدى جميعنا صوراً نرى فيها أنفسنا ونحن في عامنا السادس، ونرى وجوهنا ملمّحة إلى ما سنبدو عليه لاحقًا. وأيضًا لدينا نفس المعلومات عن والدينا وأجدادنا، توجد عاطفة غامرة في هذه الصور؛ إنها تجعلك تدرك لوهلة أنهم كانوا أطفالًا يومًا ما. أن يكون المرء قادرًا على رؤية نفسه أو والديه عندما كانوا صغارًا هي تجربة فريدة خاصة بعصرنا الحالي. لقد شكَّلت الكاميرا علاقات جديدة ومثيرة للأسى للناس مع أنفسهم، ومظهرهم الخارجيّ، وشيخوختهم، وفنائهم. إنه نوع من الرثاء لم يكن موجودًا أبدًا من قبل). (انتهى اقتباس سونتاغ) خواطر وتعليق: للتصوير جانب يتعلق بتصوير الأشياء الجميلة أو الأشخاص الين لهم مكانة محببة في قلوبنا، هذا بخلاف الجانب المهم من التصوير وهو الجانب التوثيقي. ولما كان تصوير الأشخاص يرتبط بالاهتمام بإبراز النواحي الجمالية في الأشخاص المراد تصويرهم، فلا غرابة إذن أن نهتم بأن نظهر مكامن الجمال في صورنا. لذلك نحاول أن نختار أفضل زاوية للتصوير ونتهيأ باتخاذ الوضعية والهيئة التي تحقق ذلك. نعم هي بضع دقائق لكنها تكشف الكثير من رغباتنا المكبوتة وعن نرجسية خفية في دواخلنا. هي دقائق نكون فيها تحت رحمة الكاميرا ورحمة المُصوِّر الذي نرتضي أن نكشف له عن بعض سوءاتنا وعن بعض العيوب البسيطة التي نحرص أن نخفيها. هذه بعض الخواطر النفسية التي يمكن أن تحتشد بها اللحظات بين التهيؤ لالتقاط الصورة وبين الانتهاء من أخذ اللقطة. بالطبع لست بعيدا من ذلك الهوس الصحي بالتقاط الصور للأخرين ولبعض الأماكن التي نرى أنها تستحق أن نلتقط لها صور بقربها. التقطت خلال فترة من فترات حياتي عدة صور بشكل عادي لأشخاص من الأصدقاء أو الأسرة كما يحدث عادة. وفي كثير من الأحيان كنت أتفاجأ بعد مرور سنوات أن تلك الصور اكتسبت قيمة توثيقية كبيرة. وأحيانا تكون تلك القيمة التوثيقية مرتبطة بموت الشخص الذي تم تصويره. وتكتسب بالتي الصورة قيمة وجودية كبيرة لارتباطها بالفقد بسبب مفارقة الشخص المُصّوَّر للحياة. وهكذا تتوارى القيمة الجمالية للصورة ولكنها تكتسب قيمة أخرى، قيمة تذكارية تتعلق بكونها صارت بديلا افتراضيا لذلك الشخص. بالأمس أمس كنت أقرأ رثاءً من صديقٍ لي لزوجته التي توفيت والتي كانت جارة لنا وتوفيت قبل عدة سنوات. ونشر صديقي في مقال الرثاء آخر صورة لزوجته الراحلة وهما في إحدى الحدائق. وكانت الصورة تعني له كما ذكر قيمة كبيرة. كان من ضمن التعليقات تعليقات صديقات وجارات الزوجة المتوفاة فكتبت أخت الزوج(لإبنة عم الزوجة أيضا) بأن تلك الصورة التي هي آخر صورة لها قبل يوم أو أيام قليلة من وفاتها كانت الراحلة قد طلبت أن يتم تصويرها ،حتى تكون ذكرى لها بعد وفاتها كما قالت. وهكذا تصبح للصورة معنى وقيمة أكبر مما كان متوقعا عند تصويرها. أذكر خلال جلسة مع أخي ووالد زوجته أن طرأت على ذهني فكرة أن آخذ له صورة وفعلا جلس وقمت بتصويره في عدة لقطات. فإّذا بها تصبح بعد أن توفي بعد أشهر قليلة ذات قيمة توثيقية وأرشيفية جليلة. احتفظ بصور أخذتها منذ سنوات لشارع بيتنا وكان في نفسه جيرانا لنا يسكنون في مساكن الشرطة المواجهة لنا. وحدث أن تم هدم تلك المساكن بقرار مفاجئ لاستثمار تلك المساحة. فصارت تلك الصور مصدر لذكرى عزيزة لفترة الطفولة أو الشباب لمن كانوا يسكنون في تلك المساكن سواء. من جانب آخر يتعلق بجمالية الصور، فنحن نفرح بالتقاط الصور لنا، ولكن نشعر بشيء من الحزن عندما نشاهد صورنا بعد سنوات وقد تبدَّلت ملامحنا. كثيرا ما تدفعنا رغبة قوية لكي نطلب التقاط الصور لنا، فما السر في ذلك؟ في اعتقادي قيد يكون ذلك بسبب النزعة النرجسية التي تجعلنا نسعى لرؤية صور بديلة لذواتنا قد تكون أجمل من الواقع. هناك ملاحظة أخرى فيما يتعلق بالتصوير، وهي أن ملامحنا في الصور في الغالب لا تعجبنا، بينما نرى أن ملامح الآخرين أجمل في الصور...فما هو السبب؟ يعلل علم النفس ذلك بالقول بأن اعتدنا على ملامح وجوهنا التي نراها بشكل دائم ومتكرر في المرآة، وبالتالي تكون مألوفة لدينا. والتكرار يولد الإلفة التي تجعل الملامح جميلة مقبولة او جميلة. بالإضافة إلى أنا حينما ننظر إلى أنفسنا يوميا في المرآة يكون ذلك من خلال زاوية واحدة، وبالتالي نألف رؤية صورنا من تلك الزاوية. وفي المقابل عندما نتصور فإننا نتخذ وضعيات وزوايا غير متعودين عليها، فتظهر ملامحنا بشكل مختلف، لذلك لا تعجبنا صورنا. بينما تعجبنا صور الآخرين لأننا اعتدنا أن نراهم من خلال زوايا مختلفة. ما سبب ميل معظمنا للتصوير؟ هل يمكن أن يكون ذلك راجعا لنزوع فطري للخلود في أنفسنا وفي الأشياء من حولنا؟ وبالتالي هي رغبة لوقف انسيابية الزمن، للحظات نستمتع بها ولو افتراضا بفكرة الخلود. وبالتالي قد تكون الرغبة في التصوير محاولة نتحدى بها فكرة الفناء التي تؤرق الإنسان. مهما يكن، فسيظل التصوير تلك الهواية التي يشبع بها الإنسان المعاصر نرجسيته من خلال الحصول على صور لنفسه تنال إعجابه ويحقق بها نرجسيته ولو مؤقتا. وهكذا يكتسب التصوير على مر السنين المزيد من التكالب والاهتمام حتى مع ظهور أدوات وتقنيات الفترة وتزيين الصور وتحسينها حتى وإن صارت مفارقة للملامح الأصلية. نقطة أخيرة. فيما يتعلق بالحرب الراهنة في بلادنا اكتسب التصوير أهمية موازية لأهمية العمليات العسكرية. بالتالي صار مهما لجميع الأطراف الذين لهم علاقة بالحرب بشكل مباشر أو غير مباشر. فقد صار التصوير صار مهما للتوثيق ولتأكيد الخبر أو نفيه.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة