اتفاقية تيسير التجارة: خطوة نحو بناء دولة المؤسسات وكسر تحالف رواد الاعمال السياسيين والعسكريين.
(هؤلاء الذين يحبون السلام عليهم أن يتعلموا التنظيم بكفاءة وفعالية مثل أولئك الذين يحبون الحروب .)
مارتن لوثر كينغ __________
ان نقل السودان بعيدًا من خطر التمزق والحروب الاهلية والنزاعات المسلحة امرا لا يمكن أن يكتمل ما لم يستند إلي إرادة قوية تعي اهمية وكيفية تعزيز قيم الحرية والسلام والعدالة عبر ضرب تحالف الثروة والسلطة والحد من ممارساته الطفيلية التي تسعي الي مواصلة نهب ثروات البلاد واستغلالها وتوظيفها في خدمة سياسة العصا والجزرة للتمسك بالسلطة لابقاء السودان في مربع الاستبداد والفساد علي حساب تنمية واذدهار الوطن. وهذا بدوره لا يتم الا باستخدام اساليب مبتكرة لمحاربة الفساد في كل مستوياته بالتوازي مع جهود التوصل الي السلام الدائم الذي يضع الكرامة الانسانية والعدالة الاجتماعية في محوره. وبعد كل هذا الدمار ينبغي بان لا تكتفي هذه الجهود باتفاقيات تتمحور حول تقسيم الثروة والسلطة والتماهي مع العقلية الريعية للنخب الفاسدة او ادخال تعديلات سياسية واقتصادية رمزية تتفادى بها نقدا أو تطلب بها شرعية. انما تعمل لبناء دولة مؤسسات قوية وفعالة حيث لا يمكن لاي دولة ان تحقق سلامًا مستدامًا وتقدمًا فعليًا دون مؤسسات تساهم فعلًا وقولا في تهيئة البيئة المؤاتية للجميع. وفي هذا السياق ، وبما ان القاسم المشترك لمشاكل السودان هو الفساد وخاصة فساد النخب الحاكمة ، نحسب ان الإطار القانوني والمؤسسي لمنظمة التجارة العالمية ولا سيما اتفاقية تيسير التجارة تقدم خيارًا مناسبًا لوضع هذا البلد علي مسار دولة المؤسسات حيث يمكن استغلالها كحصان طراودة Trojan Horse لاقتحام دوائر الفساد المتفشي في جميع مفاصل الدولة وضرب العقلية الريعية وتوسيع دائرة المشاركة في صناعة السلطة والثروة. وتجدر الاشارة هنا الي ان هناك دلائل قوية تدل بان الانسداد الحالي لآفاق حل الأزمة سببه هو: (تحالف رواد الاعمال السياسيين والعسكريين)-كما اطلق عليه الخبير في الشؤون الأفريقية السيد Alexe De Waal. وتؤكد الاحداث الاخيرة مرة اخري ان ذلك التحالف الشرير هو اهم اسباب استمرار الحرب في السودان وبالتالي ينبغي كسره ومكافحته جنبًا الي جنب مع مساعي وقف الحروب والنزاعات.
وتعتبر اتفاقية تيسير التجارة واحدة من أهم الاتفاقيات الدولية التي تلزم الدول الاعضاء باتخاذ الخطوات اللازمة لمحاربة الفساد. و تهدف، ضمن جملة امور،إلى تعزيز الشفافية والمساءلة والنزاهة في الممارسات الحكومية المختلفة وتحتوي على عدة ملامح وضوابط تهدف إلى تحقيق الممارسات التجارية النزيهة والعادلة، ويمكن تسخيرها في السودان لمحاربة الفساد في الادارات الحكومية ولا سيما في الحد من تلاعب النخب الحاكمة بالسياسات والنظم التجارية.وتعتبر هذه الاتفاقية الاخيرة في سلسلة اتفاقيات المنظمة حيث دخلت حيز النفاذ بتأريخ فبراير ٢٠١٧ وهي ملزمة لجميع اعضاء المنظمة ال١٦٦. أحد أهم ملامح اتفاقية تيسير التجارة هو تبسيط الإجراءات التجارية وتقليل البيروقراطية والتعقيدات المرتبطة بالتجارة الدولية وذلك من خلال تسهيل حركة البضائع وتبادل المعلومات التجارية واتاحتها للجميع ويمكن الحد من الفرص التي يمكن أن يستغلها الفاسدون للتورط في أنشطة غير قانونية مثل التهرب الضريبي والتلاعب باللوائح والقوانين وغيرها من أشكال الفساد الادراي والمالي.
بالإضافة إلى ذلك، تهدف هذه الاتفاقية الي تعزيز الشفافية والمساءلة في العلاقات التجارية بين الدول. فضلًا عن ذلك ومن خلال توفير معلومات دقيقة وشفافة حول الصادرات والواردات والعقود التجارية، يمكن للدول الأعضاء في WTO مراقبة ومراجعة العمليات التجارية والسياسات بشكل فعال ومنع الفساد والاحتيال.
وكما يمكن استخدام آليات فحص الامتثال التي توفرها الاتفاقية لتقييم ومراقبة التنفيذ بالتشريعات والقوانين التجارية الدولية. وبالتالي، يمكن تحقيق تطبيق قوانين مكافحة الفساد بفعالية وضمان المثول للمعايير الدولية للنزاهة والشفافية. وعلي ضوء ما ذكر ، يمكن القول إن الاتفاقية تحمل في طياتها لدولة مثل السودان — والتي تصنف ضمن اكثر الدول الافريقية فسادًا— فرصًا كبيرة لمحاربة الفساد من خلال تسهيل الإجراءات التجارية، تعزيز مبدأ المحاسبة وتعزيز الالتزام بالقوانين واللوائح الدولية. وبالتالي يمكن إيجاد السياسات والبيئة التجارية العادلة والنزيهة a level playing field التي تسهم في نهاية الامر القضاء علي شواغل التهميش وفي تعزيز دور القطاع الخاص في التنمية الاقتصادية والاجتماعية فضلا عن تسريع التوصل الى سلام دائم، باعتبار ان اي تأخير في محاربة آفة الفساد سيؤدي حتمًا الي إطالة امد الحرب. وختاما نقول بان عملية اعادة البناء وارساء قواعد السلام الدائم ودولة المؤسسات لا يمكن إنجازها بمعزل عن ما يدور علي الساحة الاقتصادية العالمية من تطورات ايجابية. واستنادًا علي ذلك من الافضل للسودان ان يمد جسوره مع محيطه الدولي الاوسع والبحث عن الادوات المناسبة لتحجيم الفساد ومحاربة العقلية الريعية للنخب لكسر هذه الحلقة الشرير التي اقعدت السودان ووضع هذا البلد علي المسار الصحيح . وعليه ومع علمنا بانه لا يمثل حلًا سحريا او Panacea أزعم ان هناك ضرورة للإسراع في تفعيل ملف انضمامه الي منظمة التجارة العالمية ليس فقط بهدف الاستفادة من قواعد النظام التجاري الدولي المتعدد الاطراف بل ايضا لتسخيرها في جهود محاربة الفساد والخروج من هذه الحلقة المفرغة وتهيئة البلاد لمرحلة السلام ودولة المؤسسات.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة